تقرير أبحاث ٦ : الارتقاء بالاحتراف العسكري في أفريقيا

أولويات بناء الاحتراف العسكري الأفريقي

بقلم Africa Center for Strategic Studies

٩ يونيو ٢٠٢٠


في ضوء التحديات العديدة التي لا يمكن التغلب عليها، فإن احتراف الجيوش الأفريقية قد يبدو وكأنه حلم صعب المنال. ولكن هناك بوادر أمل. إذ يتطلب تحقيق التقدم إصلاحات متقدمة في ثلاثة مجالات رئيسية: إعادة تحديد ولاية الجيش ودوره في قطاع الأمن؛ عدم تسييس البيئة التي يعمل فيها الجيش؛ وإضفاء الطابع المؤسساتي على الأخلاق والمساءلة في الثقافة العسكرية.

إعادة توظيف الوصاية العسكرية

الجيوش غالية التكاليف، إذ يحتاج الجيش المحترف إلى التعليم والتدريب والتجهيز والصيانة. من الأفضل أن نعرف، إذًا، ما هو متوقع من الجيش حتى لا تهدر الموارد. وقد تم تصميم أغلب الجيوش الأفريقية وتنظيمها بشكل أساسي لمواجهة العدوان الأجنبي، ولا يمكنها الاستجابة بشكل مناسب للتهديدات الأمنية غير التقليدية مثل النزاعات الداخلية، والجريمة العابرة للحدود الوطنية، والقرصنة البحرية، والإرهاب، وانتشار الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة. هذا التطابق هو عامل رئيسي في عدم فاعلية الجيوش الأفريقية. وعلى نحو متزايد، يتم نشر الجيوش للقيام بأعمال الشرطة، وهي وظيفة مختلفة كثيرًا عن القتال العسكري. وهذا بدوره يسهم في سجلات حقوق إنسان ضعيفة ونقص الكفاءة المهنية. وللاستجابة بشكل أفضل للتهديدات الفعلية للبلدان وكذلك لتعزيز الكفاءة المهنية لجيوشها، يجب على الحكومات الأفريقية أن تبدل نظرتها إلى قطاع الأمن. إن إعادة تنظيم هياكل وبنيات قوات الأمن لتتناسب بشكل أفضل مع التهديد الذي تم تحديده وإدماج تلك المهام في سياسة دفاعية شاملة ومتسقة، من شأنها أن تعزز أهمية الجيوش الأفريقية وقدرتها على العمل وهيبتها.

إعادة تعريف المهمة

ينبغي أن يشمل هدف سياسة الدفاع في أي بلد جيشًا غير سياسي وخاضعًا للمساءلة وقادرًا وبأثمان معقولة.٦٣ وينبغي أن يكون الجيش، بدوره، قادرًا على الوفاء بمهمته. إذا لم تكن هناك حاجة واضحة لجيش كبير يواجه من الخارج، ينبغي على الحكومة أن تبسط قواتها المسلحة لجعلها أكثر كفاءة واستجابة للاحتياجات الأمنية الفعلية للبلد.٦٤ ومن العناصر الرئيسية لهذه العملية تطوير استراتيجيات أمن قومي تجسر الفجوة بين التهديدات الخارجية والمحلية

إحدى المشكلات التي تواجهها العديد من الحكومات الأفريقية هي ما يجب فعله بجيوشها عندما لا تشارك في القتال. لم تكن قوات غانا المسلحة، مثل معظم الجيوش الأفريقية، مضطرة للدفاع عن بلادها ضد معتدٍ خارجي لفترة طويلة. وللاستفادة من مهاراتها والمحافظة عليها، دعمت قوات غانا المسلحة وكالات الأمن المحلية عند الحاجة وكذلك شاركت في مختلف عمليات حفظ السلام الدولية. إن ذلك الجيش منظم ومجهز جيدًا لتقديم المساعدة -من النقل والاتصالات إلى صيانة القانون والنظام– في أثناء أنواع معينة من الكوارث الوطنية. يقدم العاملون الطبيون والمستشفيات العسكرية الرعاية للغانيين المحتاجين ويساعدون الحكومة في برامج القضاء على الأمراض والتثقيف الصحي. كما يساعد الجيش الشرطة على استعادة القانون والنظام في حالات العنف الطائفي التي تهدد الاستقرار، ويساهم في دوريات مشتركة بين الشرطة العسكرية في المناطق الحضرية للرد على السطو المسلح وجرائم العنف الأخرى.٦٥ كما يحافظ على الموارد الطبيعية لحماية محميات الغابات والحدائق العامة من الصيد غير المشروع والاستغلال غير القانوني للغابات. ٦٦

شارك جيش السنغال أيضًا في بعض مشاريع الأشغال العامة من خلال تعاون مدني-عسكري شعبي يعرف باسم جيش الأمة. من خلال جيش الأمة، تدعم القوات المسلحة السنغالية تطوير البنى التحتية والخدمة الوطنية وحماية البيئة. إن العمل مع المدنيين من أجل تحسين حياتهم في ظل حضور غير سياسي ومهني قد أوجد دورة لتقوية الذات من النوايا الحسنة والاحترام والثقة والفخر بين الشعب السنغالي والجيش. ٦٧

وفي حين أن هدف بناء العلاقات مع المجتمعات المحلية أمر مرغوب فيه، يجب على الجيش التركيز على مجالات خبرته المقارنة. فمشاريع التنمية التي ينفذها الجيش، على سبيل المثال، غالبًا ما تكون أكثر تكلفة، كما أنها تمنع التنمية الاقتصادية في القطاع الخاص. والأهم من ذلك، أن معظم البلدان الأفريقية تواجه تهديدات أمنية خطيرة، بما في ذلك تلك ذات الطبيعة العابرة للحدود الوطنية. وبالنظر إلى محدودية الموارد المتاحة، ينبغي أن ينصب تركيز قطاع الأمن على معالجة هذه التهديدات.

وإدراكًا للعديد من الأولويات المتنافسة، تعد الدقة في رسم السياسة مهمة. وتعد عمليات البحث والإنقاذ والانتشال، ومكافحة الاتجار بالمخدرات والقرصنة البحرية من المجالات التي يمكن للجيش تطبيق خبراته فيها. ومع ذلك، ينبغي تنسيق هذه التهديدات بعناية وتنسيقها مع الجهات الفاعلة الأخرى في القطاع الأمني والوكالات الحكومية.٦٨ وبالمثل، ينبغي على القادة العسكريين الامتناع عن ممارسة أكثر من مجرد دور داعم في مكافحة الإرهاب المحلي. ويتم تدريب الشرطة والاستخبارات والمنظمات شبه العسكرية بشكل أفضل على الاستجابات المركزة التي تتطلبها هذه التهديدات. ٦٩

وفي الوقت نفسه، شهدت أغلب الجيوش الأفريقية فوائد المشاركة في عمليات حفظ السلام الدولية. حيث تستجيب هذه العمليات للتحديات الأمنية العامة في القارة وبالتالي تمنع الانتشار غير المباشر عبر الحدود والتهديدات الأمنية الوطنية الناتجة عن ذلك. كما أنها تنمي الخبرة والهدف والفخر لدى القوات المعنية.

دعم تطوير الجندي

يمكن أن يمثل الخلل الحالي في المخزون المتداول والافتقار إلى المعدات المناسبة وتقلص قدرات القوات الجوية والبحرية فرصة لكثير من الجيوش الأفريقية. الهدف من أي قوة أمنية هو منع التهديدات الأمنية من الظهور على الإطلاق، ثم الاستجابة بفاعلية للتهديدات التي تتحقق.٧٠ وتحقيق هذا الهدف لا يتطلب بالضرورة المزيد من الدبابات والطائرات والسفن. ونظرًا لأن معظم العمليات المعاصرة تتطلب في طبيعتها إجراءات تنفذها الشرطة أو مكافحة التمرد، يجب أن تركز مهمة الجيش على الدفاع عن المواطنين وحمايتهم. وللقيام بذلك، يجب إعطاء الأولوية لتعزيز القوى البشرية للجيش، كتطوير الأفراد والوحدات المختصة والمتعاطفة والمحترمة. سوف تتطلب عمليات قوات الأمن وجودًا مستمرًا في المجتمعات ومن ثم الحاجة إلى ضم أفراد الجيش الذين يمثلون المجتمعات التي يحمونها.

لا توجد طريقة أفضل لفهم السياق المحلي بشكل كامل وبناء الاحترام والثقة بين الجيش والمجتمع. وفي مواجهة تقليص الميزانيات، سيتعين على عمليات النشر الأمني الحديثة والخفيفة الاعتماد أكثر على استراتيجيات القتال الأكثر ذكاءً- موازنة القدرات مع المعرفة العميقة بالمجتمعات المحلية لاستباق التهديدات الأمنية أو ردعها.

كما يجب أن تركز الجيوش الأفريقية بشكل أكبر على نوعية الجنود التي تريدها أكثر منها على زيادة أعدادها. وهذا يؤدي إلى رفع الروح المعنوية للجندي. الجيش ليس مهنة عادية بل يتطلب نزاهة كبيرة ومهارة وتفانيًا وولاء وتضحية. جزء من إضفاء الطابع الاحترافي على القوات المسلحة لأفريقيا سيتطلب قوات أصغر لكن أفضل تدريبًا وتجهيزًا. وهذا سوف يساهم في بناء الاعتزاز ومزيد من المهنية، وفي الوقت نفسه رفع مستوى المجندين.

إعادة تشكيل الحرس الرئاسي

تعد حماية كبار المسؤولين والمؤسسات السياسية ضرورية لاستمرارية الدولة وبقائها. ومع ذلك، فإن معظم أفراد حرس الرئاسة في أفريقيا يميلون إلى أن يكونوا وحدات عسكرية كبيرة مع معدات متطورة نسبيًّا وقادرة على القيام بعمليات مطولة. يحتاج الرؤساء وغيرهم من كبار المسؤولين إلى قوة أكثر تميزًا وقادرة على ردع التهديدات الفورية ودحرها. يجب أن يكون أي تهديد طويل أو دائم من اختصاص الشرطة أو الدرك أو الجيش أو أي جهاز أمني آخر ذي صلة.
يجب أن يحتفظ الحرس الرئاسي بمهمة جماعية وألا يقتصر على وحدة مسلحة متحيزة عرقيًا تحمي نظامًا معينًا. بصورة مثالية، ولضمان الولاء الوطني، يجب أن يتألف الحرس الرئاسي من ضباط عسكريين وضباط شرطة ودرك وينبغي أن يمثل جميع السكان ديمغرافيًا. ستحصل هذه الوحدات الصغيرة المتكاملة على تدريب متخصص وبناء قدراتها وفخرها المهني في هذه العملية. وبمجرد تبني هذا النهج، فإنه سيخلق حاجزًا يمنع انتهاكات حراس المشاة. كما أن تخفيض الحرس الرئاسي الذي يتسم بتقاضي أجور مرتفعة وبأعداد زائدة سيوفر الموارد عن طريق إعادة تركيز الموارد الأمنية لبلد ما على الأولويات الأمنية للدولة.
هذا لا يعني أنه لا يوجد دور لقوات الأمن النخبة، وهو الأمر الذي فشلت جنوب أفريقيا في تقديره بالكامل فيما يتعلق بقوات الكوماندوز التابعة لها في فترة ما بعد الفصل العنصري. عند إنشاء هذه القوات المدمجة حديثًا، قامت جنوب أفريقيا بحل نظام الكوماندوز في البلاد. وقد قامت هذه الوحدات شبه العسكرية بحماية المجتمعات الحضرية أو الريفية من التهديدات المنظمة باستخدام المشاركة المجتمعية. وتم حلها بسبب نشأتها العنصرية. لكن لسوء الحظ، ساهم الفراغ الذي خلفه رحيلها في ارتفاع معدلات الإجرام٧١

التركيز على التعليم والتدريب

: أحد التحديات التي يواجهها العديد من الجيوش الأفريقية هي أن المؤهلات الأكاديمية والتدريب القتالي لم تعتبر ضرورية للتقدم أو الترقية. فهذا يحتاج إلى تغيير، لأن التعليم والتدريب المهني العسكري أمر بالغ الأهمية. وقد قامت مؤسسة جنوب أفريقيا هذه بإضفاء الطابع المؤسساتي على برنامج تدريبي أساسي لجميع جنودها ودمج ضباطها في ثلاثة مستويات من التدريب. وشملت تدريب الملازم التنشئة الاجتماعية (لغرس التفكير العسكري) والتدريب القتالي المسلح والتعليم العسكري (فهم دور الجيش المناسب في مجتمع ديمقراطي حديث). وللوصول إلى مستوى العقيد، كان على الضباط بعد ذلك معالجة مناهج الإدارة العسكرية. وأخيرًا وللوصول إلى مستوى الجنرال، ركزت مناهج الضباط على البيئة السياسية- العسكرية التي يجد الجنرالات أنفسهم فيها٧٢

يلعب التعليم والتدريب أيضًا دورًا مهمًا في جمع القوى المتحاربة في السياقات التي تخضع لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. أظهرت التجربة في بوروندي بعد انتهاء الصراع أن دمج القوات وتعريضها لأماكن التدريب والمعيشة نفسها أديا إلى تبادل الخبرات وتعزيز الوحدة. ٧٣

يمكن أن يؤدي دور الجيش كمعلم إلى تحسين سمعة الجيش لدى عامة السكان. فمن خلال توفير الوصول المتكافئ إلى التعليم لأعضائه، يمكن للجيش أن يكون نموذجًا للمساواة في تخصيص الموارد العامة مع بناء إحساس بالملكية لدى المجتمعات. من المحتمل أن يكون قطاع الأمن الأكثر ثقافة بدوره أكثر قدرة على إظهار ضبط النفس والحكم والقدرة على التكيف، وهو أمر بالغ الأهمية في مواجهة التهديدات المجتمعية التي تمثل العديد من التحديات الأمنية الأفريقية.

في عام ٣٠١٠، أُجري مسح في ليبيريا لقياس مدى إدراك المواطنين، داخل وخارج القوات المسلحة الليبيرية، لمهنية الجيش لمدة 6 سنوات في برنامج شامل لإصلاح قطاع الأمن.٧٤ وبوجه عام، كانت النتائج حول روح الجنود والاحترام الذي تلقوه إيجابية جدًّا من السكان المدنيين. اعتبر كل من الجنود والمدنيين على حد سواء دور الجندي كحامٍ للناس مسلحًا بواجب احترام سيادة القانون. وكان هناك موضوع مشترك يتمثل في أن التعليم المقدم للقوات وخاصة فيما يتعلق بمسائل سيادة القانون وحقوق الإنسان، قد ساهم في بروز جنود يتمتعون بقدر أكبر من الاحترام والكرامة.

عدم تسييس البيئة التي تعمل فيها الجيوش

هناك بند في جميع الدساتير الأفريقية تقريبًا ينص على أن الرئيس المدني المنتخب هو أيضًا القائد الأعلى للقوات المسلحة. ولغرس فكرة السيطرة المدنية في الجيش، يجب أن يكون السياسيون أكثر شفافية وأن يشاركوا في إصلاح القطاع الأمني، بما في ذلك إضفاء الطابع الرسمي على الإطار الذي يعمل فيه الجيش بحيث يمكن للمجتمع المدني أن يتعلم المساهمة والتعاون أيضًا.

ويعد ما يعرف بـ”الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم” نقطة مرجعية صالحة. فهو يوفر مبادئ التطور الديمقراطي واحترام المشاركة الشعبية وكذلك حظر التغييرات غير الدستورية للأنظمة. ولتحقيق هذه الغاية، في الوقت الذي لم تطبق فيه المساعدة في إصلاح قطاع الأمن عمومًا إلا على المؤسسة الأمنية، يجب أيضًا لفت الانتباه إلى الجهات الفاعلة السياسية التي يمكنها أيضًا أن تقوض الاحتراف العسكري.

تحديد أدوار الجهات الفاعلة العسكرية والسياسية

: تشير ديناميكية السياسيين الساعين للحصول على الدعم العسكري إلى أن المؤسسات الديمقراطية الضعيفة توفر فرصة للسياسيين الانتهازيين للمشاركة في التلاعب بالجيش. يمكن للضوابط المتشددة والأقوى على السلوك السياسي أن تخفف من أثر هذا العامل السلبي على الاحتراف العسكري

كبداية، ينبغي أن يشمل التدريب الذي يتلقاه المشرعون سياسة الدفاع والإنفاق العسكري المشاركة في دورات الأخلاقيات وإيجاد فهم مشترك للفساد، بحيث يمكن مناقشة عواقب الانتهاكات بشكل علني.٧٥ وسيعمل التركيز على المحاسبة على تعزيز النزاهة وتمكين الرصد الأفضل للسلوك السياسي في جميع قطاعات الحكومة.

إن إرث تداخل القوات المسلحة والسياسة في أفريقيا يؤكد الحاجة إلى اعتماد إطار واضح يمكن للجيوش الأفريقية العمل فيه. ويجب أن يحدد الدستور وقوانين الدفاع الوطني بوضوح سلسلة القيادة في الحرب والسلام والطوارئ الوطنية. ولا ينبغي أن يكون هناك أي غموض فيما يتعلق بدور العسكريين في صنع القرار، من مستوى المشاركة السياسية المقبولة من قبل القيادات العليا العسكرية إلى الطريقة التي قد تتم فيها إدارة العلاقات المدنية العسكرية. ويجب أن يشتمل هذا الإطار أيضًا على مراجعة وتنقيح تشريعات قطاع الأمن الوطني من أجل تحديد وتوضيح أدوار وتفويض مختلف المؤسسات المعنية بالأمن. ويجب أن يشمل ذلك آلية وساطة محددة للخلافات بين المؤسسات بالإضافة إلى عقوبات محددة خاصة بالسياسيين الذين يحاولون تقويض هذه السلطات.

في عملية مساعدة الحكومة ما بعد الفترة الانتقالية في تونس على تحديد الأولويات لقطاعها الأمني، عدّد مركز جنيف للمراقبة الديمقراطية للقوات المسلحة بإيجاز فوائد إطار قطاع أمن فعال وكفء وخاضع للمحاسبة، ومن بينها أن ذلك الإطار:

  • يحدد دور كل منظمة أمنية ومهمتها.
  • يحدد الصلاحيات ويحد من سلطة كل مؤسسة أمنية وأعضائها.
  • يحدد دور وسلطات المؤسسات التي تتحكم في المنظمات الأمنية وتشرف عليها.
  • يوفر أساسًا للمساءلة، لأنه يرسم خطًا واضحًا بين السلوك القانوني والسلوك غير القانوني.
  • يعزز ثقة الجمهور وشرعية الحكومة وقواتها الأمنية٧٦

التعاون المدني والعسكري

التعاون المدني والعسكري: متى تم وضع الإطار، يحتاج الجيش إلى بيئة سياسية شفافة وتعاونية لمتابعة تفويضه بفاعلية. على سبيل المثال، يجب أن يكون القادة المدنيون قادرين على أن يشرحوا للقادة العسكريين المبررات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لميزانية الدفاع. وعلى المنوال نفسه، يجب على القادة السياسيين البحث عن خبرات ومشورة القادة العسكريين في تحديد وترتيب أولويات الجوانب المختلفة للاستراتيجية الأمنية. وتعد المشاركة التشريعية القوية في قضايا الدفاع مؤشرًا قيّمًا على العلاقات المدنية-العسكرية الديمقراطية.٧٧ كما يمكن للنهج التدريجي المبني على التوافق والحوار المنتظم أن يعزز احتمالات توطيد الديمقراطية بنجاح والسيطرة المدنية على الجيش.

تقدم ليسوتو وجنوب أفريقيا أمثلة على كيفية وضع إطار عمل لمؤسسة أمنية فعالة، وبالتالي، لعلاقات عسكرية-مدنية ديمقراطية. وينص قانون قوة الدفاع الصادر عن برلمان ليسوتو في عام ١٩٩٦ على بنية القوات المسلحة وتنظيمها وإدارتها، وكذلك انضباط قواتها والمسائل المتعلقة بها. وقد أدى إنشاء وزارة الدفاع في عام ١٩٩٥ إلى مأسسة السيطرة المدنية على القوات من قبل سلطة مدنية منتخبة، وكذلك تعزيز مساءلة القوات في السلطتين التنفيذية والتشريعية. كما أن إبعاد القوات المسلحة عن السياسة الحزبية جعل الجيش أكثر احترافًا في تنفيذه الواجبات الوطنية. ومثل هذا الفصل جعل الحكومة أكثر ديمقراطية كذلك. ٧٨

وقد شجع دستور جنوب أفريقيا على إجراء حوار بين الأجهزة المسلحة والسلطة القضائية والسلطة التشريعية من خلال تكليف أجهزة الأمن بتلقين أعضائها التصرف وفقًا لقوانين الأمة والدستور، وكذلك مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة. بالإضافة إلى ذلك، طُلب من قوات دفاع جنوب أفريقيا الوطنية تصميم وتنفيذ برنامج تثقيفي مدني حول “الدفاع في نظام ديمقراطي” للجيش وأعضاء وزارة الدفاع.٧٩ وقد شجع هذا القيادة المدنية والعسكرية على حد سواء على التفكير الجاد في ولاية الجيش ودوره في المجتمع. كما شرعت في عملية مراجعة دفاعية مستقلة التمست آراء الجمهور، ما أدى في النهاية إلى سياسة دفاعية جديدة أكثر توافقًا مع أولويات الأمن القومي لجنوب أفريقيا.

الشراكات مع المجتمع الدولي والمجتمع المدني

بالنسبة للعديد من البلدان الأفريقية، تعد المساعدة الدولية في إصلاح قطاع الأمن حاسمة. وبمقدور المجتمع الدولي أن يقدم المساعدة الفنية والقانونية والسياسية التي تشتد الحاجة إليها لإزالة الطابع السياسي عن الجيش وبناء حنكته المهنية. إن الإدانة التي لا لبس فيها للانقلابات التي أعقبتها العقوبات التي فرضتها المجتمعات الاقتصادية الإقليمية والاتحاد الأفريقي والمجتمع العالمي تعتبر أمرًا مهمًّا لقمع تدخل الجيش في الشؤون السياسية لدولة أفريقية. ومن المهم أيضًا أن تشارك الديمقراطيات الأفريقية بشكل مباشر في دعم توطيد مبادئ محاسبة قطاع الأمن الديمقراطي. وقد ساهمت مساعدات إصلاح قطاع الأمن من شركاء، مثل بوتسوانا والهند وجنوب أفريقيا، على ترسيخ الديمقراطية في ليسوتو والانضباط ضمن قوة الدفاع في ليسوتو٨٠

وبالمثل، يعزز المجتمع المدني النشط والمطلع ترسيخ القيم الديمقراطية ويثبط المغامرة العسكرية. فمن المحتمل أن تفشل الانقلابات حيث تنشط المجتمعات المدنية وتشارك فيما بعد الانتخابات. وبزيادة القدرة المجتمعية، تزيد الدولة من المساءلة والشفافية. كما أن وسائل الإعلام الحرة تعتبر ضرورية لتسهيل حوار عام أوسع حول القضايا الأمنية والشؤون العسكرية. ومثل هذه العملية ترسخ الثقة بين المجتمع والدولة والقوات المسلحة.

في ليبيريا، على سبيل المثال، قطعت حكومة الرئيسة إلين جونسون سيرليف خطوات كبيرة لإعادة بناء المجتمع المدني في بلد مزقته الصراعات. ففي عام ٣٠١٠، أصدرت جونسون- سيرليف قانون حرية المعلومات لتعزيز الشفافية ومساءلة الحكومة أمام الجمهور.٨١ من خلال وسائل الإعلام، اطلعت عامة السكان على عملية إصلاح قطاع الأمن. وأطلع التثقيف فيما يتعلق بسيادة القانون ودور الجيش كحامٍ للأمة والأمن البشري عامة السكان من خلال برامج إذاعية. وقد ساعد هذا ليس فقط في استقدام مجندين متحمسين ولكن أيضًا في إبلاغ السكان عن كيفية محاسبة الأفراد العسكريين. ٨٢

وكما أفاد أحد الجنود الليبيريين:

لا يوجد مكان في هذا العالم لا يخضع فيه رجل عسكري للقوانين المدنية. هذا هو السبب في أننا عندما نكون هناك [في الأماكن العامة] ننصح بأن نتحلى بسلوك صالح. إذا فعلت أي شيء غبي، فيمكن إلقاء القبض عليك من قبل الشرطة وإذا اكتشفت الشرطة أنك مذنب، فسوف تتم إحالتك إلى المحكمة ومحاكمتك. هذا الأمر كان غير موجود في الجيش السابق، لكن الأمور تختلف في هذا الجيش الجديد. ٨٣

ولطالما كانت العديد من البلدان الأفريقية بطيئةً في إقرار تشريع حرية المعلومات. علاوة على ذلك، حتى في الأماكن التي تم فيها اعتماد مثل هذه القوانين، تظل المقاومة قوية. فقد أصدرت موريتانيا قانون حرية الصحافة في عام ٣٠١١ الذي يلغي عقوبة السجن للصحافيين. ومع ذلك، يمكن تغريم الصحافيين لنشرهم “معلومات خاطئة يمكن أن تنشر الفوضى وتقوّض انضباط القوات المسلحة.”٨٤ وبالمثل وعلى الرغم من صدور قانون حرية المعلومات في عام ٣٠١١ بعد عقد من الدراسة واجهت الحكومة النيجيرية انتقادات من الصحافة لعدم امتثالها فعليًا لأية طلبات بموجب القانون.٨٥ وفي جنوب أفريقيا، التي لديها الحق في حرية المعلومات كما ينص عليه دستورها، أقر البرلمان مشروع قانون يقيد الإبلاغ عما كان يعتبره “أسرار الحكومة” في عام ٣٠١١، على الرغم من أن الرئيس زوما رفض مشروع القانون هذا في ٢٠١٣. ٨٦

قي ظل تاريخ العمليات السرية والميزانيات غير المكشوف عنها وصفقات وراء الكواليس، فإن أمام العديد من الجيوش الأفريقية الكثير من العمل لإصلاح العلاقات المتوترة التي تربطها بالمجتمع المدني ووسائل الإعلام. وبما أن المهام المتغيرة تتطلب من الجيش أن يتفاعل مع المدنيين بشكل أكثر تواترًا، فإن حاجة الجيوش الأفريقية لمعرفة كيفية التواصل مع وسائل الإعلام تزداد أهمية. ومن شأن التدريب الإعلامي الذي يهدف إلى تأسيس علاقات بناءة أن يقطع شوطًا طويلاً نحو تقليص مستويات عدم الثقة بين الجيوش الأفريقية والجمهور العام.

مأسسة الأخلاق والمساءلة في الثقافة العسكرية

إن الأمن ليس مجرد اختصاص للجيش، إذ يشمل وزارات أخرى والسلطة القضائية والسلطة التشريعية والمجتمع المدني. وعلى هذا النحو، يجب على الجيش المحترف الحفاظ على العلاقات مع جميع الجهات الأمنية الفاعلة الرئيسية من أجل أداء واجباته على نحو فعال. والجيش، بالتالي، ملزم بإضفاء الطابع المؤسساتي على ثقافة أخلاقية خاضعة للمساءلة من أجل بناء ثقة واحترام المجتمع.

تعزيز الانضباط العسكري والواجب

لم تكن المحاكم العسكرية الأفريقية عمومًا ذات كفاءة وفعالة في محاكمة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان. وإذ ذاك يجب أن تكون أولوية القيادة العسكرية تعزيز النظام القضائي العسكري من أجل استعادة الانضباط داخل الثكنات الأفريقية

كبداية، يجب على الجيوش الأفريقية إعادة النظر في قوانينها الموحدة للعدالة العسكرية والقوانين الإجرائية والجوهرية التي توجه نظام العدالة العسكرية. ويجب على تلك القوانين تقديم إرشادات واضحة بشأن الجرائم التي تتراوح ما بين العصيان البسيط إلى أخطرها، مثل القتل.

في العادة، يتم التعامل مع الأنواع الأخيرة من الجرائم من خلال نظام قضائي مثل المحاكم. وللحد من تصورات التدخل يجب على القيادة التفكير أيضًا في إجراء بعض أو جميع المحاكمات الجنائية بشكل مستقل عن سلسلة القيادة العسكرية.

كما أن من الضروري التأكد من توافق أنظمة العدالة العسكرية مع معايير حقوق الإنسان. فمعظم القوانين العسكرية الأوروبية تستند إلى الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. ويوفر الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب مرجعية مماثلة لضمان امتثال نظم العدالة العسكرية الأفريقية للتشريعات المحلية والقوانين الدولية. وإذا كانت الخبرة القانونية غير متوفرة للقيام بذلك داخل الدولة، يجب على الحكومات والجيوش أن تبحث عن شركاء من المجموعات الاقتصادية الإقليمية والاتحاد الأفريقي وعلى صعيد عالمي.

كما أن من الضروري التأكد من توافق أنظمة العدالة العسكرية مع معايير حقوق الإنسان. فمعظم القوانين العسكرية الأوروبية تستند إلى الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.٨٧ ويوفر الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب مرجعية مماثلة لضمان امتثال نظم العدالة العسكرية الأفريقية للتشريعات المحلية والقوانين الدولية. وإذا كانت الخبرة القانونية غير متوفرة للقيام بذلك داخل الدولة، يجب على الحكومات والجيوش أن تبحث عن شركاء من المجموعات الاقتصادية الإقليمية والاتحاد الأفريقي وعلى صعيد عالمي.

أما بالنسبة للجرائم الأقل خطورة، فغالبًا ما تقوم مجالس التأديب العسكرية بمهامها بشكل جيد. في ليبيريا، حيث كان غياب نظام العدالة العسكرية وسط عدد كاسح من القضايا، تقرر أن جميع القضايا الجنائية العسكرية يجب أن يُنظر فيها أمام المحاكم المدنية حتى تتم إعادة إنشاء نظام محاكم عسكرية كاملة الوظائف.٨٨ وهذا النهج العملي يمكن أن يكون مقيدًا قي بلدان أخرى خلال مرحلة ما بعد الصراع، مثل ساحل العاج، حيث قد يتأجل النظر في الجرائم العسكرية العاجلة بسبب الضغوط المتنافسة على العملية القضائية العسكرية التي تخضع للإصلاح.

ويعد انعدام الانضباط والظلم اللذان لوحظا في العديد من الثكنات في دول جنوب الصحراء مؤشرًا على عدم كفاية مجالس تأديبية عسكرية معينة. في كثير من الأحيان، يكون النظام غير متسق ويتعامل بشكل إيجابي إزاء قضايا متصلة بضباط وخاصة الكبار منهم. واستحالة قيام جندي باستئناف الأحكام غير العادلة والمضللة تشوه سمعة المجلس. ويجب إضافة بنود إلى مجموعة القوانين تتعلق بالاستئناف من قبل المجالس التأديبية العسكرية إلى محكمة عسكرية أو إلى وزارة العدل لأغراض المقاضاة.

مكافأة النزاهة وتعزيز المساءلة

إن إقامة ثقافة عسكرية أخلاقية تستلزم تغيير الحوافز داخل القوات المسلحة. كما يجب أن تكون النزاهة معيارًا بارزًا في ترقيات الموظفين والتعيينات والمكافآت. ويمكن تعزيز ذلك من خلال تمتين قيم حقوق الإنسان وقواعد السلوك والتدريب والتثقيف٨٩

وبالمثل، يجب تقليص فرص الفساد إلى أدنى حد. فبصرف النظر عن الحجم، تتطلب مكاتب الإمداد العسكري مهنيين أكفاء والالتزام الصارم ببنية إجرائية سليمة. والمشتريات هي مهارة مهنية. وبالتالي، من المهم أن تنشئ الوزارات فريقًا قويًا من متخصصي المشتريات. إن تجربة العديد من البلدان هي أنه من الأفضل أن يكون لديك مكتب شراء مركزي (مكتب للخدمات المسلحة بأكملها) خارج الجيش لأن هذا يضيف طبقة إضافية من المساءلة حول هذا المجال الوظيفي الذي يتم استغلاله بشكل متواتر. ويؤدي الحفاظ على قرارات الشراء وفقًا للنظام الهرمي في الجيش إلى إغراءات قوية أمام كبار الضباط للتأثير على عملية الشراء. ومن شأن إشراك المجتمع المدني (سواء في دور الراصد أو كمشارك في البروتوكول) في المجالات المعرضة للفساد، مثل المشتريات، أن يعزز الشفافية وسلامة العملية.

ويمكن علاج العديد من الاختلالات الداخلية الموجودة في الجيوش الأفريقية إذا تم تعزيز الدور الرقابي لأجهزة التفتيش التابعة للجيش وجعله أكثر استقلالية. فبدلاً من أن يكون مكتبًا لرؤساء سابقين لأركان القوات المسلحة أو مجموعة ضباط عسكريين رفيعي المستوى، يجب أن يكون قسم خدمات التفتيش مزودًا بمزيج من كل من مراجعي الحسابات والمدنيين العسكريين والمحامين ومحللي السياسات المكلفين بنشر تقارير عن حالة القوات المسلحة ومختلف تفويضاتها. ستكون هذه التقارير مفيدة لأغراض السياسة والإدارة وكذلك لاعتبارات الترقية والتعيينات والمكافآت بين المسؤولين في الأدوار الإدارية.

كما يجب تعزيز هذه المبادرات من خلال إطار أخلاقي محدد جيدًا يعرّف قواعد السلوك والقيم والسلوك المتوقع من قبل الأفراد العسكريين. وقد حددت منظمة الشفافية الدولية خمسة عناصر رئيسية لهذا الإطار:

  • مدونة سلوك واحدة يسهل الوصول إليها لجميع الموظفين، على أن تكون راسخة بقوة في الأخلاقيات والقيم، مع نص (غير قانوني) يمكن الوصول إليه.
  • إرشادات واضحة حول المساءلة أو المحاسبة، على أن تشمل هذه المسؤول عن برنامج الأخلاقيات وكيفية الإبلاغ عن الشكوك حول الفساد وأين يمكن العثور على مزيد من النصائح.
  • اللوائح المتعلقة بالرشوة والإكراميات والهدايا والضيافة وتضارب المصالح وأنشطة ما بعد الفصل (من قبل فرد ترك الجيش)، مع دراسات الحالات.
  • دورات تدريبية منتظمة في مجال الأخلاقيات والتدريب لتجديد اللوائح لوضعها في سياق مواقف الحياة الواقعية.
  • التحديث الدوري للقانون ووضع برنامج تنفيذه.٩٠

يمكن أن يساعد المجتمع الدولي أيضًا في توفير التدريب على إدارة الشؤون العسكرية والإشراف عليها. إذ يمكن للجيوش الأفريقية أن تتقاسم بعضها بعضًا الدروس المستفادة، وهو أمر على قدم المساواة مع “الآلية الأفريقية لمراجعة الأقران”، التي تتقاسم أفضل ممارسات الحكم بين دولها الأعضاء. ولإضفاء الطابع المؤسساتي على الدروس والتقنيات والإجراءات المكتسبة من هذا التعاون، يجب على الجيوش الأفريقية أن تنشئ مركزًا للدروس المستفادة من تعلمها في كلياتها العسكرية.

إنشاء أمين مظالم عسكري كآلية رقابة عسكرية مستقلة

غالبًا ما تكون محاولات الإصلاح العسكري عمليات من أعلى إلى أسفل ومدفوعة داخليًا، مخلفة مخاوف العديد من الجنود والمواطنين العاديين خارج المعادلة. وجود آلية رقابة عسكرية متكاملة مثل إدارة خدمات التفتيش يعني أيضًا أن الجيش مسؤول عن إشرافه، ما قد يخلق تضاربًا في المصالح فيعمل على تقويض فائدته سريعًا.

سيكون البديل أو حتى المتمم لخدمات التفتيش هو أمين مظالم ombudsman عسكري مستقل يساعد الجيش على مراعاة مبادئ الحكم الرشيد وممارساته. ومن فوائد ذلك التركيز على القضايا العسكرية على أن يتم تأهيلها بموظفين مدنيين لجعلها مستقلة ونزيهة. في كندا وألمانيا، ينظر أمناء المظالم العسكريون في الشكاوى المتعلقة بسلوك غير لائق ومسيء في الجيش وكذلك أوجه القصور في الإجراءات العسكرية، ويوصون باتخاذ إجراءات تصحيحية في تقاريرهم، ليس فقط للفت اهتمام الجيش، ولكن أيضًا لمنفعة السلطة التشريعية والجمهور.٩١ وسيكون من أثر ذلك تعزيز كفاءة وفاعلية الجيش من خلال جعله خاضعًا للمساءلة والاستجابة لدوائره الانتخابية.

لدى أكثر من نصف دول القارة بالفعل مكتب أمين مظالم، لكنها في الغالب محصورة في الإشراف المدني. ومثل الهيئات التشريعية، يفتقر الكثيرون إلى الخبرة اللازمة للتعامل مع قطاع الدفاع. إن مفتاح عمل مكتب أمين المظالم العسكري هو ضمان استقلاله التشغيلي. إذ يجب أن يكون موقعه الفعلي منفصلا عن الموظفين العسكريين حتى يتمكن من إجراء تحقيقاته الخاصة ونشر التقارير بشكل مستقل عن الدوائر الحكومية الأخرى. كما يجب أن يتمتع أيضًا بصلاحية سياسية كبيرة، بدءًا من التفويض القانوني للوصول إلى المعلومات اللازمة لإجراء التحقيقات وحتى مسؤولية إصدار توصيات للقيادة المدنية والعسكرية التي تتطلب ردودًا رسمية وعامة. والأهم من ذلك، يجب على المدنيين الذين لديهم خبرة قانونية وتحقيقية وبحثية متعلقة بقطاع الدفاع بالإضافة إلى تصريح أمني رفيع أن يعملوا في المكتب.

وستساعد النتائج والتوصيات التي ينشرها مكتب أمين المظالم العسكري في تعزيز الرقابة البرلمانية وبناء قدر أكبر من الشفافية والمساءلة للجيش. وبالمثل، يمكن لأمين المظالم العسكري أن يكون وسيلة لتمكين مصالح المواطنين في كل شيء، من الشكاوى المتعلقة بالسلوك إلى تحديد ثغرات معينة في الإجراءات العسكرية.

تعزيز الرقابة البرلمانية وإضفاء الطابع المؤسساتي على عمليات المراجعة الخارجية

نظرًا لأن للفساد وسوء الإدارة في الجيش آثارًا بعيدة المدى على الأمن القومي والثقة في الحكومة بأكملها، يجب أن تكون عمليات المراجعة الخارجية لإدارة الأموال العامة في القوات المسلحة أولوية وطنية. إن تعزيز الرقابة البرلمانية على الإنفاق الدفاعي يمكن أن يحسن الإدارة الداخلية للجيوش وقد يقطع شوطًا طويلاً نحو حل مشكلة المساءلة. وتتمتع معظم الهيئات التشريعية الأفريقية بتفويض دستوري لمراقبة استخدام الموارد وضمان استخدام موارد الدفاع بكفاءة. ففي جنوب أفريقيا، مثلاً يتم تدريب المشرعين في مجال الإنفاق العسكري. بالإضافة إلى ذلك، يتم ضم الخبراء في اللجان البرلمانية للمساعدة في دفع النقاش والتفاوض. تعتمد كل من جنوب أفريقيا وأوغندا على لجان الحسابات العامة للمحاسبة على الوزراء. وهذه السيطرة من قبل الهيئة التشريعية هي خط دفاع مهم ضد الفساد واختلاس الأموال العامة عندما تفشل خدمات التفتيش أو الضوابط الداخلية داخل الجيش ووزارة الدفاع في أداء مهماتها. ولا شك في أن هذا سيستغرق بعض العمل، لا سيما في البلدان ذات التاريخ القصير من المشاركة المدنية النشطة في القضايا العسكرية. لكن بناء رقابة مدنية أقوى هو عنصر أساسي لغرس الاحتراف العسكري.

ويشارك العديد من القادة العسكريين أيضًا في المؤسسات التجارية، التي لا تتعارض مع تفويضاتهم الأمنية فحسب، بل تُحوِّل أيضًا الإيرادات غير المعلنة من الجمهور إلى الجيش. ويجب مطالبة كبار القادة العسكريين بالإعلان عن أصولهم سنويًا لضمان أنهم لا يمثلون تضاربًا في المصالح، بالإضافة إلى تسهيل المراقبة. كما يمكن أن يكون التحقيق البرلماني أو مهمة تقصي الحقائق أداة أخرى مفيدة في تحديد وتتبع الإيرادات والنفقات العسكرية. وتميل برامج مكافحة الفساد التي تستهدف نفقات الدفاع إلى تحسين إدارة الإنفاق الحكومي بشكل عام. وتوفر هذه التدابير المنافسة والشفافية والإشراف على المشتريات والجهود المبذولة للحد من المحسوبية.٩٢ في الوقت ذاته، لا ينبغي أن يكون الحفاظ على سرية ميزانية الدفاع لمصالح الأمن القومي هو الذريعة المتكررة للتستر على الحكم العسكري السيئ. فالدفاع خدمة عامة، وعليه، يستحق الجمهور معرفة كيف ولماذا ينفق الجيش أمواله.


قم بتنزيل التقرير

English | Français | Português | العربية | አማርኛ