تقرير أبحاث ٦

الارتقاء بالاحتراف العسكري في أفريقيا

بقلم مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية

٩ يونيو ٢٠٢٠



هناك أمثلة واضحة على ضعف الكفاءة العسكرية في أفريقيا، حيث تتجلى بشكل منتظم في الروايات الإخبارية عن عدم الاستقرار في القارة. وتنهار الجيوش في مواجهة هجمات القوات غير النظامية والانقلابات والتمرد والنهب وانتهاكات حقوق الإنسان ضد السكان المدنيين والفساد والمشاركة في أنشطة الاتجار غير المشروع على نطاق واسع. ويستمر هذا النمط بعد عقود من انتهاء الاستعمار، على الرغم من مليارات الدولارات من المساعدات المقدمة من القطاع الأمني والخطاب الطويل الأمد حول الحاجة إلى تعزيز العلاقات المدنية والعسكرية في القارة. إن عدم إنشاء جيوش مهنية قوية له تكاليف مرتفعة تتمثل في: عدم الاستقرار المتواصل، والفقر المزمن، ومنع الاستثمار، وإرهاق الديمقراطية.

إن أسباب عدم القدرة المستمرة على إنشاء جيوش فعالة ومحترمة في العديد من البلدان الأفريقية معقدة، ولكنها تعزى إلى حد كبير للدوافع السياسية. كانت الجيوش الأفريقية التي تم إنشاؤها في الحقبة الاستعمارية تهدف إلى حماية الحكومة من المواطنين بدلاً من حمايتهم. وللقيام بذلك، تم تجنيد الأقليات العرقية في كثير من الأحيان بشكل غير متناسب في الجيوش لمراقبة مجموعات الأغلبية. واستمرت هذه الأنماط في فترة ما بعد الاستعمار، حيث كان لدى القادة العسكريين من مجموعات الأقليات حوافز قوية لمقاومة الانتقال إلى الديمقراطية وحكم الأغلبية. في ظل الافتقار إلى الضوابط والتوازنات المنهجية، تداخلت المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية، وفي بعض الحالات، تكثفت في العقود التي تلت نهاية الاستعمار. ينظر إلى السيطرة على الجيش على أنها وسيلة السلطة والثروة في أفريقيا، لقد ازدهر الفساد، وهذا عزز تسييس الجيش والتنافس المستمر والتواطؤ بين السياسيين وقادة الأمن الذين يسعون إلى كسب اليد العليا. وبالإضافة إلى إضعاف قدرة الجيش بشكل منهجي، أثارت هذه الأنماط تخوفًا عميقًا وعدم ثقة في القطاع الأمني من قبل عامة السكان، ما زاد من عدم الاستقرار والحد من الدعم الشعبي في مكافحة التمرد.

سيتطلب كسر هذه الدوامة من المصالح الخاصة التي تقوض الجهود المبذولة لبناء الاحتراف العسكري في أفريقيا أكثر من بناء القدرات. عوضا عن ذلك، هناك حاجة إلى مبادرات مستدامة لمعالجة العوائق السياسية الأساسية عوائق للإصلاح وإقامة علاقات مدنية عسكرية بناءة. إن العمل كالمعتاد لن يكفي. إن مراجعات الأمن القومي التي تشمل عامة الناس مطلوبة لإعادة تحديد ولاية جيوش أفريقيا في عصر تتركز فيه العديد من التهديدات داخليًا. إن إعادة تنظيم هياكل قوات الأمن لتلائم التهديدات المحددة ودمج المهام في سياسة دفاعية شاملة ومتماسكة ستعزز من ملاءمة الجيوش الأفريقية وقدرتها على العمل وهيبتها.

كجزء من هذه العملية، يجب تحديد مسؤوليات القوات المسلحة للأمة تجاه مواطنيها. هناك حاجة إلى قواعد سلوك واضحة مدعومة بجهد متواصل لاستيعاب القيم الأخلاقية عبر القوة، لتأسيس وتعزيز القواعد الدستورية والنزاهة والخدمة واحترام حقوق الإنسان. ولتعزيز ذلك، ينبغي إنشاء وتطوير أمناء المظالم العسكريين، خارج سلسلة القيادة، لضمان وجود محاسبة على انتهاكات السلوك العسكري. وبالمثل، هناك حاجة إلى عقوبات أقوى للقادة العسكريين والسياسيين المشاركين في تسييس قوات الأمن. بمعنى آخر، فإن الجهود المبذولة للارتقاء بالاحترافية العسكرية يجب أن تتصدى للقادة السياسيين والعسكريين على حد سواء.

هناك حاجة أيضًا إلى آليات رقابة داخلية وخارجية أقوى للجيش لضمان إنفاق التمويل بشكل مناسب لصالح الأمن القومي. ومن الأولويات الخاصة الحاجة إلى مزيد من الإشراف الاستراتيجي على القطاع الأمني من قبل الهيئات التشريعية المسؤولة. يجب على المشرعين الأفارقة أن يناقشوا -بشكل أكثر فاعلية- الغرض والأهداف والسياسات والميزانية والإنفاق وممارسات الترقية وأداء الجيش. للجهات الفاعلة من غير الدول، وخاصة المجتمع المدني ووسائل الإعلام، دور رقابي مهم من خلال زيادة الوعي بدور العسكريين بين عامة الناس وجذب الانتباه إلى مجالات الإصلاح. إن الاحتراف العسكري يتفق مع القيم الأفريقية، وهذا واضح للعيان في بلدان أفريقية مختارة، حيث تم كسر العلاقات بين السياسة والقطاع الأمني، والجيش مؤسسة محترمة ومرحبٌ بها كمُدافعة عن الشعب. إنه طموح جميع المواطنين الأفارقة تقريبًا أن تصبح هذه الصفات هي القاعدة في جميع أنحاء القارة. وكسر دوامة عدم الاستقرار والفقر وسوء الإدارة يعتمد عليه.


قم بتنزيل التقرير

English | Français | Português | العربية | አማርኛ