تقرير أبحاث ٦ : الارتقاء بالاحتراف العسكري في أفريقيا

مبادئ الاحتراف العسكري

بقلم Africa Center for Strategic Studies

٩ يونيو ٢٠٢٠


ترتكز الاحترافية العسكرية عادة على عدة مبادئ أساسية، وهي: خضوع الجيش للسلطة المدنية الديمقراطية، والولاء للدولة، والالتزام بالحياد السياسي، والثقافة المؤسسية الأخلاقية. يتم تكريس هذه المبادئ في القيم التي تميز تصرفات جندي محترف مثل الانضباط والنزاهة والشرف والالتزام والخدمة والتضحية والواجب. هذه القيم تزدهر في منظمة ذات مهمة هادفة وخطوط واضحة للسلطة، والمساءلة، والبروتوكول.

على الرغم من سجل المسار المخيب للآمال، فإن مبادئ وقيم الاحتراف هذه نفسها لها صدى عميق مع القادة العسكريين الأفارقة والمواطنين العاديين على حد سواء. كانت المشكلة أنه في كثير من البلدان الأفريقية تعطلت عملية تكييف هذه المفاهيم وتنفيذها.

السلطة السيادية الديمقراطية

إن الثقافة السياسية الديمقراطية عادة تكمن في أساس الجيوش المحترفة. في كتاب سامويل فاينر الكلاسيكي “رجل على ظهر الخيل: دور الجيش في السياسة”، يتم تحديد مستوى الثقافة السياسية الديمقراطية في بلد ما بمدى وجود موافقة واسعة داخل المجتمع على إجراءات خلافة السلطة السياسية والاعتراف بأن المواطنين يمثلون السلطة السيادية النهائية.٥ كما يجب حماية العمليات الديمقراطية بواسطة مؤسسات الدولة، مثل القوات المسلحة. لذلك يجب أن تجسد فكرة الاحتراف العسكري في الدول الديمقراطية قيمًا أساسية مثل قبول شرعية المؤسسات الديمقراطية وعدم التحيز في العملية السياسية، واحترام حقوق الإنسان المتعلقة بالأفراد والدفاع عنها. في ثقافة سياسية ديمقراطية قوية، تتحمل السلطات المدنية المنتخبة شرعيًّا المسؤولية الكاملة عن إدارة الشؤون العامة والسياسية، فيما تنفذ القوات المسلحة سياسة الدفاع والأمن التي تكون السلطات المدنية قد طورتها.

وقد تبنت أغلبية الدول الأفريقية هذه القيم الديمقراطية والمبادئ الأساسية للاحتراف العسكري في دساتيرها وعقائدها العسكرية المختلفة. كما يتم تقاسمها وقبولها من قبل أغلبية البلدان الأفريقية التي انتقلت، أو التي هي في طور الانتقال، إلى الديمقراطية. علاوة على ذلك، تعرّف العديد من القادة العسكريين على هذه القيم والمبادئ من خلال التدريبات في الأكاديميات العسكرية الغربية وكليات الأركان. ومن المهم، أيضًا، ملاحظة أن هذه القيم متأصلة في الثقافة الأفريقية. كانت حماية المملكة والخضوع للملك والولاء والنزاهة تجاه المجتمع هي القيم الأساسية لقدامى المحاربين الأفارقة. وفقط خلال العصور الاستعمارية والمستعمرة الجديدة، تعثرت هذه العلاقة العسكرية المدنية وزالت هذه القيم. وقد أنشأت الدول الأفريقية الحديثة التأسيس جيوشًا ترمز إلى استقلال دولها ولكن هذه الجيوش وفرت الأمن أساسًا للأنظمة الجديدة فقط. ومنذ ذلك الحين، شهدنا صراعًا مستمرًا لاستعادة القيم التاريخية للاحتراف العسكري.

الولاء

يعتمد بناء الجيوش المهنية على إقامة ولاء واضح ومتوازن للدولة واحترام المجتمع المدني وعدم التدخل في كثير من الأحيان في جدل سياسي قوي بين الاثنين. إن التحول إلى الديمقراطية عملية مضطربة، يمكن استغلالها من قبل بعض الجهات الفاعلة لإشاعة فوضى محلية مؤقتة. ومن دون دعم الجيش الثابت للحياد والسلطة الديمقراطية السيادية، ستكون عملية التصحيح الذاتي للديمقراطية وتوطيدها أمرًا صعبًا.٦

والقوات المسلحة السنغالية هي إحدى القوات الأفريقية التي التزمت بهذا المبدأ، فمنذ الاستقلال، لم تشهد السنغال انقلابًا على الإطلاق. وتم اختبار الثقافة الديمقراطية السنغالية بشكل دوري بسبب التوترات السياسية، كما أن الجيش لم يتحدَّ النظام الدستوري. وبعد اجتياز هذه الاختبارات، نمت الثقافة الديمقراطية في السنغال على مرّ السنين.

وبالإضافة إلى السنغال، تعد بوتسوانا وجزر الرأس الأخضر وموزامبيق وناميبيا وزامبيا وغيرها من البلدان جزءًا من مجموعة صغيرة من البلدان الأفريقية التي لم تُسقط حكوماتها أبدًا بفعل انقلاب عسكري.٧

إلا أن البلدان التي حصلت فيها انقلابات عسكرية تدفع ثمنًا باهظًا وطويل المدى بسبب التدخل الدوري لجيوشها -وغير المناسب أحيانًا- في النقاش السياسي. وبمجرد سابقة الانقلاب، يرتفع احتمال الانقلابات اللاحقة بشكل كبير. واقعيًّا، في الوقت الذي شهدت فيه ٦٥ في المئة من دول جنوب الصحراء الكبرى انقلابًا، فإن ٤٢ في المئة منها شهدت انقلابات متعددة.٨ وكانت معظم الانقلابات الأفريقية موجهة ضد نظم عسكرية قائمة أوصلت نفسها بالذات إلى السلطة من خلال انقلاب. وبين عامي ١٩٦٠ و٢٠١٢، كانت تسع من محاولات الانقلاب في السودان ضد الأنظمة العسكرية مثلما كانت سبع من أصل عشر في غانا خلال الفترة الزمنية نفسها. وبمجرد حدوثها، تصبح هذه السوابق عبئًا يصعب التغلب عليه يساهم في انهيار أو زعزعة استقرار بعض الدول. وقد تضاءل تواتر الانقلابات الناجحة إلى
حد كبير (وتمحور في غرب أفريقيا ووسطها) منذ منتصف العقد الأول من القرن الماضي مقارنة بالعقود السابقة (انظر الجدول 1)، ما يعكس درجة من التقدم، في الوقت الذي يزال تهديد الانقلابات مصدر قلق حقيقيًّا في أفريقيا

ARP6 AR Table 1 - Number & Type of Military Coups in African Countries, 1960-2012

المصدر: باركا ونكوب، سبتمبر ٩2012

وتخلق عوامل معينة -مثل الضعف السياسي والاقتصادي والفساد وعدم وجود هياكل ديمقراطية مؤسساتية- فرصًا للقوات العسكرية لتبرير الإطاحة بالقادة السياسيين. وهذا لا يثير الدهشة، حيث إن بلدان جنوب الصحراء الكبرى التي شهدت نموًا منخفضًا في الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد منذ الاستقلال، قد شهدت انقلابات عسكرية أكثر من البلدان التي لديها معدلات نمو أعلى للناتج المحلي الإجمالي للفرد في ظل استثناءات قليلة جدًّا، يفشل قادة الانقلابات العسكرية في استعادة الاستقرار وتسليم السلطة ثانية إلى المدنيين.١٠ ولسوء الحظ، من المرجح أن يكون الحكم العسكري مدمرًا لاقتصاد البلد. وهكذا، فإن الحلقة المفرغة تستمر، فقد شهدت كل من غينيا ومالي وموريتانيا ونيجيريا انكماشًا في إجمالي ناتجها المحلي الحقيقي بأكثر من ٤٫٥ في المئة في أعقاب الانقلابات العسكرية.١١ ويبرز الجدول ١ العلاقة السلبية بين الانقلابات المتعددة ونمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل. إذ نتجت عن الانقلابات المتكررة في بعض البلدان الأفريقية، مثل بوروندي وجمهورية أفريقيا الوسطى وجزر القمر وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا-بيساو، فترات طويلة من الانكماش الاقتصادي. إلا أن الاستثناءات الواضحة مثل غينيا الاستوائية، في الواقع، تعكس النمو الطبيعي القائم على الموارد والذي لم يؤل إلى تحسين الظروف المعيشية لعامة السكان. إن عدم الاستقرار يحول دون الاستثمار والتطوير، بينما على عكس ذلك، فإن الدول التي لا تتمتع بالموارد والتي حققت أعلى مستويات من النمو المطرد هي بشكل شبه ثابت تلك التي وقعت فيها انقلابات قليلة أو انعدمت فيها الانقلابات.

Figure 1. GDP per Capita Growth and Number of Military Coups (Successful and Attempted) in Selected Sub-Saharan African Countries, 1960–2012

Source: Barka and Ncube, September 2012.12

ساق صامويل هنتنغتون حججًا بأن التدخل العسكري في الشؤون الحكومية كان في الماضي يشكل مشكلة سياسية أكثر منها مشكلة عسكرية، وهي ملاحظة لا تزال ذات علاقة بشكل خاص بمعظم البلدان الأفريقية.١٣ وفي ظل غياب القواعد الراسخة والمؤسسات القوية التي تنظم العمليات السياسية، فإن النقابات العمالية والطلاب، ورجال الدين، ومجموعات الضغط، والعسكريين يشاركون في منافسة سياسية للسيطرة على سلطة الدولة. وقد صبغت هذه الحقيقة البيئة السياسية ما بعد الاستقلال في العديد من البلدان الأفريقية. ونظرًا لحجمها وتأثيرها المتأصل، أصبحت الجيوش في أفريقيا من اللاعبين الرئيسيين على الساحة السياسية وتمسكت بهذه الصلاحية.

مع ظهور تحالفات بين كبار القادة العسكريين والسياسيين والاقتصاديين (بمن في ذلك، في بعض الأحيان، الشركاء الأجانب) حول المصالح المالية المشتركة، أصبح تسلل الجيوش إلى المجال الاقتصادي أكثر انتشارًا وتعقيدًا. في أنغولا، على سبيل المثال، يشارك أفراد الجيش في مفاوضات العقود مع الشركات الأجنبية ويجلسون في مجالس إدارة الشركات ويمثلون أغلبية المساهمين في شركات الاتصالات البعيدة.١٤ كما أن مختلف الإدارات العسكرية التي تحكم نيجيريا كانت متشابكة في المجال الاقتصادي. إن تعيين الضباط العسكريين في مجالس إدارة الشركات والمناصب السياسية العليا، مثل حكام الولايات، جعل هؤلاء الأفراد أغنياء للغاية وذوي قوة سياسية. حتى بعد إحالتهم على التقاعد، يظل العديد من هؤلاء الضباط فاعلين أقوياء في الحياة السياسة النيجيرية.

في عام ١٩٩٩، عندما انتخب الشعب النيجيري حكومة أولوسيجون أوباسانجو الديمقراطية وهو جنرال متقاعد، أنهى الشعب 16 عامًا من الحكم العسكري. لقد أدركت الحكومة الجديدة ما فعلته سنوات من التدخل العسكري في المشاريع التجارية لسمعتها وفاعليتها. وسرعان ما أحالت الحكومة العديد من الضباط إلى التقاعد وسحبت تراخيص النفط واستردت قطع الأراضي التي يشتبه في أنه قد تم تخصيصها بشكل غير قانوني لكبار الضباط العسكريين.١٥ وتواصلت مثل هذه الجهود لتحسين إدارة قطاع الأمن في نيجيريا.

إن تخريب مهنة الأسلحة لغرض الإثراء المالي يشوه حوافز العمل في الخدمة العامة التي يتطلبها الجيش الفعال والمهني. كما أنه يقوض في الوقت نفسه التزام الجيش بحماية البلد ومواطنيه. وقد أشار أفلاطون منذ حوالي ٢٤٠٠ عام إلى أن تدخل الجنود في مهن أخرى “سيؤدي إلى تدمير المدينة (الكيان السياسي)”. ١٦

العلاقات المدنية-العسكرية المعقدة في مصر

“لن تحيا جمهورية مصر الثانية إلا بعد أن تتوقف جمهورية الضباط عن الوجود”.١٧ يعكس هذا التحذير الكئيب عقودًا من العلاقات المدنية – العسكرية المعقدة في مصر. فقد أصبحت مصر جمهورية بمعنى الاسم في عام
١٩٥٢ عندما خلع الجيش الملك فاروق ليخلفه أول رئيس للبلاد، جمال عبد الناصر، الذي كان ضابطًا عسكريًا سابقًا. وكذلك كان الزعيمان المتعاقبان، أنور السادات وحسني مبارك، اللذان استمرا طوال ٥٩ عامًا في الحكم العسكري الفعلي. كان الجيش فعليًا هو السلطة الكامنة وراء القوة في مصر، حيث شارك عن كثب في صنع السياسة والحفاظ على وضع الحاكم الفعلي. استولى الجيش على الشركات المملوكة للدولة،١٨ وسيطر على العديد من المشاريع الاقتصادية، من إدارة مراكز الرعاية النهارية والمنتجعات الساحلية إلى إدارة محطات الوقود. ولم تبلغ الحكومة عن أي من مداخيل تلك المؤسسات. ١٩

أدت أحداث الربيع العربي في عام ٢٠١١ إلى كسر هذا النمط. كما أدى نطاق الاحتجاجات الضخم إلى استنتاج الجيش أن استقرار الدولة قد تعرض للتهديد وقام بالقبض على حسني مبارك وخلعه في فبراير من ذلك العام. حصل الجيش على استحسان واسع النطاق من المصريين والمجتمع الدولي خلال هذا الوقت من ضبط النفس الذي أظهره في عدم الرد بالعنف على التظاهرات السلمية إلى حد كبير. فسيطر الجيش فعليًا على الحكومة في تلك المرحلة، حيث حكم تحت رعاية المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

في وجه الاقتصاد المتفاقم والضغوط المحلية والدولية العديدة من أجل التغيير، نظم المجلس الأعلى للقوات المسلحة عملية متسارعة لصياغة دستور جديد وجدول زمني لانتخابات برلمانية ورئاسية. أجريت الانتخابات البرلمانية في أواخر عام ٢٠١١ مع ظهور حزب الحرية والعدالة، الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين، كعنصر سياسي مهيمن.

وحرصًا منها على حماية العديد من الامتيازات السياسية والاقتصادية للجيش من رئيس جديد للدولة، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة إعلانًا دستوريًا إضافيًا قبل أيام فقط من الانتخابات الرئاسية في يونيو 2012. وفي هذا الإعلان تولى المجلس المسؤولية على جميع الشؤون العسكرية، ومارس دورًا هامًّا في اللجنة المكلفة بصياغة الدستور الجديد.

وبعد أن أصبح محمد مرسي أول زعيم منتخب ديمقراطيًا في مصر، قام بإزاحة الجنرالات الذين أصدروا الملحق الدستوري، لكنه لم يتمكن من التراجع عن الصلاحيات والامتيازات التي منحها المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وبدا أن القادة العسكريين والزعماء المدنيين الجدد قد توصلوا إلى ترتيب حكم مضطرب مع تراجع الجيش عن دور الحكم العام وحتى الموافقة على استبدال كبار الجنرالات بالرئيس مرسي.

وكرّس الدستور الذي أقر لاحقًا من خلال الاستفتاء في ديسمبر ٢٠١٢ استقلالية الجيش رسميًّا، واقتضى أن يكون وزير الدفاع ضابطا عسكريا، وحرم البرلمان من الإشراف على ميزانية الدفاع. وبدلاً من ذلك، أصبح وضع الميزانية ضمن اختصاص مجلس الدفاع الوطني -وهو سلطة مؤلفة من ١٥ عضوًا، ثمانية منهم من العسكريين٢٠ – تاركًا الجمهور والحكومة بعيدين عن التدخل في كيفية تبديد الجيش مخصصاته ونفقات ميزانيته السنوية. وكان هذا يعني أيضًا أن بإمكان الجيش الاستمرار في كسب مستويات لا حصر لها من العائدات من خلال صلاحياته الاقتصادية. فمن أجهزة التلفزيون إلى زيت الزيتون، لا تدفع مشاريع الجيش الاقتصادية الضخمة أية ضرائب وتستخدم الجنود كعمال وتشتري الأراضي العامة بشروط ميسّرة.٢١

إن أسلوب الحكم الحصري للرئيس مرسي وتأكيده على الصلاحيات الموسعة وغير المحددة، واستمرار الاضطرابات الاقتصادية، وتعميق الانقسام بسبب المخاوف من أن الإسلاميين يسعون للسيطرة على المجتمع المصري وعدم اليقين المستمر بشأن مشروعية دستور عام ٢٠١٢، أدى كله إلى نمو التوترات بشكل مطرد داخل المجتمع المصري، وأتاح اندلاع احتجاجات ضخمة في أواخر يونيو ٢٠١٣، مرة أخرى فرصةً لتدخل الجيش. وفي ٢ يوليو، أطاح الجيش بالرئيس الحالي، مبررًا إجراءه مرة أخرى بالحفاظ على الاستقرار الوطني. وفي الاحتجاجات اللاحقة التي قام بها أنصار مرسي اختار الجيش استخدام القوة لتفريق المتظاهرين واعتقال قادة جماعة الإخوان المسلمين. وأودت حملة القمع تلك بحياة أكثر من ١٠٠٠ شخص.

في العام التالي، بسط الجيش سيطرته بشكل أكبر، حيث ألقي القبض على ما يقدر بنحو ٢٠٬٠٠٠ شخص كان يُنظر إليهم على أنهم يشكلون تهديدًا للجيش، وتم قمع وسائل الإعلام المستقلة والمجتمع المدني.٢٢ ومن خلال دستور جديد تم إقراره جراء الاستفتاء في عام ٢٠١٤، أكد الجيش استقلاله في شؤون ميزانيته، وحصانة أعضائه من المقاضاة خارج المحكمة العسكرية وسلطة اعتقال المدنيين ومحاكمتهم في محكمة عسكرية. علاوة على ذلك، لم تتم إعادة تأكيد الجيش سيطرته فحسب، بل وسعها لتشمل المجال الاقتصادي من مواد أساسية كالمياه المعبأة في زجاجات والأثاث، إلى مشاريع البنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا الأوسع نطاقًا.٢٣ وقد مهد الجيش في الوقت نفسه الطريق لقائده، الجنرال عبد الفتاح السيسي، لخوض انتخابات رئاسية أحادية الجانب والفوز بها في عام ٢٠١٤، إذ حصل على ٩٦ في المئة من أصوات الناخبين، ما أضفى طابعا رسميًّا على دوره كرئيس للدولة.

وفي الوقت الذي ينظر فيه الجيش بلا شك إلى هذه الأحداث على أنها عودة إلى الدور الشرعي له باعتباره المؤسسة المهيمنة في المجتمع المصري، فإن من الواضح أن الجيش المصري فشل في التمسك بمبادئ الاحتراف العسكري: التبعية للسلطة المدنية الديمقراطية، والولاء لسيادة القانون، وثقافة مؤسساتية أخلاقية. وكما كشفت الأحداث في مصر، عندما يتعذر على الجيش الالتزام بأحد أركان الاحتراف، فإنه يجد نفسه في صراع مع تلك المبادئ الثلاثة.

ثقافة مؤسساتية أخلاقية

بالإضافة إلى السيطرة المدنية الديمقراطية على الجيش وولاء الجيش للأمة، فإن الثقافة الأخلاقية هي شرط أساسي لبناء جيش مهني. وهذا ينطوي على قيم مثل الترقية على أساس الجدارة، ومحاسبة القادة العسكريين والجنود على أفعالهم، بالإضافة إلى إظهار إنفاذ أمني كفء ومحايد وإنساني. هذه القيم المؤسسية لا تتأتى بشكل طبيعي، بل يجب تلقينها. كما يجب غرس أذهان الجنود بتدريبات محددة في الأخلاقيات، تمامًا كما يتعلمون الانضباط والقانون وفنون القتال. كل ذلك ضمن صورة أكبر لدور الجيش في مجتمع ديمقراطي.

تمثل روح الجندي ركيزة أساسية لثقافة الجيش المؤسساتية وإنجاح مهمته. وإلى جانب التدريب المناسب، يحتاج الجنود إلى الشجاعة للدفاع عن مصالح المجتمع قبل مصالحهم. كما يجب على المجندين أن تحفّزهم الشجاعة والتفاني والتضحية والإحساس بالواجب لحماية أبناء وطنهم وخدمتهم تمامًا كما تحفّزهم الرواتب. ويجب أن يكون لدى الجنود شعور بمهنيتهم. فكون الجندي محترفًا ليس أمرًا بمقدور الجميع.

هذه الروح مهمة لبناء جيش محترف وصيانته. في بوتسوانا، على سبيل المثال، يرى المواطنون وأعضاء قوة الدفاع أن الجيش “هو الأكثر قدرة على الخدمات المنضبطة” في البلاد.. ويعتقد أعضاؤها أنهم رعاة مخلصون للموارد التي أناطت بهم الأمة الحفاظ عليها”.٢٤ ونظرًا لهيبتها تتمتع قوة الدفاع بصلاحية اختيار أعضاء من مجموعة كبيرة من المرشحين المؤهلين، وباتت تتشدد في الاختيار من أجل تحقيق الثقافة المؤسساتية التي تستسيغها وهي قوة حسنة الانضباط ومثقفة وتقودها قيادة ذات كفاءة. في عام ٢٠٠٤، سعت قوة الدفاع إلى طلب ما بين ٨٠ إلى ١٠٠ ضابط جديد وتلقت حوالي ٣٠٠٠ طلب. وقد طلبت ٥٠٠ من المجندين وتلقت أكثر من ١٥٠٠٠ طلب لشغل هذه المناصب. ٢٥

كما تم اتخاذ خطوات مهمة على المستوى الإقليمي لتطوير الأدوات المعيارية لمنع التدخلات العسكرية في العمليات السياسية للدول الأفريقية. وتشمل هذه الأطر، كأمثلة: “سياسة الاتحاد الأفريقي للدفاع والأمن المشترك”، و”إطار رد الاتحاد الأفريقي على التغييرات غير الدستورية”، و”الخطة الإرشادية الاستراتيجية للجهاز المعني بالسياسة والدفاع والتعاون الأمني” الخاصة بالجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي، والمجموعة الاقتصادية لدول غبر أفريقيا (إيكواس) “مدونة قواعد السلوك للقوات المسلحة وقوات الأمن”، وتعكس المعايير الإقليمية إدراكًا متزايدًا للحاجة إلى تحسين الثقافة المؤسساتية للجيوش في القارة. وإذا ما تم التمسك بها، فستكون لهذه المعايير آثار بعيدة المدى على التطور السياسي لأفريقيا.


قم بتنزيل التقرير

English | Français | Português | العربية | አማርኛ