Print Friendly, PDF & Email

مشاهد كوفيد المتنوعة في أفريقيا

ليس لكوفيد-١٩ مسار واحد في القارة الأفريقية، وإنما هنالك العديد من ملفات تعريف المخاطر المتباينة. تسلط ملفات التعريف هذه الضوء على الدور المميز الذي تلعبه الصحافة الحرة، والشفافية الحكومية، والنزاع في التصدي لتهديد هذه الجائحة في أفريقيا.


English | Français | Português

Africa’s Varied COVID Landscapes

ما إن تم الإعلان عن أول إصابة مؤكدة بفيروس كوفيد-١٩ في مصر في ١٥ فبراير/شباط ٢٠٢٠، حتى أخذت الحالات المبلغ عنها في أفريقيا تزداد بشكل مطّرد. ومنذ الأول من مايو/أيار، أخذ عدد الحالات المبلغ عنها يتضاعف مرة كل ٣ أسابيع. وتشير التجارب السابقة لأفريقيا مع الجائحات إلى أن مكافحة فيروس كورونا المستجد لا تزال في مراحلها الأولية ومن المرجح أن يستمر هذا التحدي لعدة سنوات.

ما زال العدد المحدود من الاختبارات والحالات المبلغ عنها يعرقل إمكانية إجراء تحليل دقيق للوضع الذي آلت إليه القارة الأفريقية بسبب فيروس كوفيد-١٩، حيث هنالك الكثير من التفاوت بين بلدان القارة من حيث القدرة على إجراء الاختبارات، والالتزام بإجراء هذه الاختبارات، والإبلاغ عن حالات الإصابة والوفيات الناجمة عن فيروس كورونا. وبالتالي، فإن البلدان التي تجري العدد الأكبر من الاختبارات وتقوم بالإبلاغ عن العدد الأكبر من الحالات قد لا تكون بالضرورة هي البلدان ذاتها الأكثر تأثرًا بالجائحة أو تعرضًا لها.

ونظرًا للقيود المفروضة على البيانات، فقد طرأ تغيير مع مرور الوقت على الأنماط التي يتم عبرها الإبلاغ عن انتقال فيروس كورونا في أفريقيا. برز كل من حجم سكان المناطق الحضرية، ومعدّل أعمار مجمل السكان، ومستوى حرية الصحافة، والانفتاح على العالم الخارجي كعوامل الخطر الأكثر ارتباطًا بالحالات المبلغ عنها في جميع أنحاء القارة. تحلّ جنوب أفريقيا في المرتبة الأولى في عدد الحالات التي تم الإبلاغ عنها بما نسبته ٤٣% من إجمالي الحالات المبلغ عنها في القارة حتى هذه اللحظة. إلا أن عوامل الخطر الرئيسية المترابطة لا تزال قوية على مستوى أفريقيا، حتى ولو تم استبعاد جنوب أفريقيا.

عوامل الخطر الأكثر ارتباطًا بالحالات المبلغ عنها من كوفيد-١٩ - منذ ١ مايو/أيار

لقد برز كلٌ من الانفتاح على العالم الخارجي، وسكان المناطق الحضرية، ومعدل أعمار مجمل السكان، وحرية الصحافة كأكثر العوامل ارتباطًا وثيقًا بالحالات المبلغ عنها في أفريقيا

ومع تزايد انتقال الفيروس داخل البلاد، سوف تزداد علاقة ملف المخاطر لكل بلد ارتباطًا مع تشكيل مسار الجائحة. وبالتالي، فإن التعرف على نقاط الضعف -ونقاط القوة- لملفات تعريف المخاطر المميزة لأفريقيا يعتبر أمرًا محوريًا في التخفيف من آثار كوفيد-١٩.

ملفات تعريف المخاطر المتنوعة في أفريقيا

ولدى معاينة انتشار كوفيد-١٩ في القارة الأفريقية، يتضح أنه ليس ثمة مسار واحد لفيروس كورونا في أفريقيا. بل هنالك أنماط متعددة ومتباينة من الخبرات في التصدي للجائحة، ما يعكس التنوع في القارة نفسها.  عمل مركز أفريقيا على تحديد سبعة ملفات مخاطر نمطية رئيسية لكوفيد-١٩ في أفريقيا. واستندت هذه الملفات التعريفية إلى مجموعة من العوامل: حجم السكان، وأبعاد المشهد الحضري، وحجم النزاع وعمليات النزوح، والتركيبة السكانية، والحوكمة. وفي حين يمكن القول بإمكانية وضع بعض البلدان ضمن أكثر من ملف تعريفي واحد، يمكن لهذه الفئات أن تيسّر التوصل إلى فهم أدق للتهديد الذي يمثله انتشار كوفيد-١٩، والتوصل في نهاية المطاف إلى أفضل السبل للتخفيف من آثاره.

الدول المعابر

ملفة تعريف المخاطر - الدول المعابرملف المخاطر: الدول محدودة الشفافية

تتمتع الدول المعابر بأعلى المستويات من التجارة الدولية، والسفر، والسياحة، وحركة الموانئ في القارة. ولهذا لم يكن بمحض الصدفة أن تتميز هذه المجموعة باستحواذها على 64 في المئة من مجمل حالات كوفيد-١٩ المبلغ عنها و٦٩ في المئة من الوفيات المبلغ عنها في القارة، على الرغم من أنها تشكل فقط ١٨ في المئة من إجمالي السكان. تضم هذه الفئة بعض أكبر البلدان والاقتصادات في أفريقيا. وبعبارة أخرى، تعرضت هذه المجموعة للجائحة على نطاق واسع وفي وقت مبكر، وهي تكافح من أجل السيطرة على انتقال العدوى منذ تفشيها. كما تضم هذه المجموعة أيضًا شريحة كبيرة نسبيًا من سكانها في المناطق الحضرية، بما في ذلك المدن الكبرى كالقاهرة وجوهانسبرغ-بريتوريا. ويمكن تصنيف الدول المعابر كذلك بامتلاكها بعض أقوى الأنظمة الصحية في القارة. ولهذا كانت هذه البلدان عمومًا سباقة في إجراء الاختبارات والإبلاغ عن الحالات طوال الأزمة. حتى هذه اللحظة، أجرت دول المعابر ما نسبته حوالي ٥٣ فالمئة من مجمل الاختبارات التي أجريت في القارة.

وما هو ليس معروفًا جيدًا، أن متوسط عمر السكان في هذه المجموعة يزيد بعشر سنوات تقريبًا عن المتوسط الطبيعي في أفريقيا -أي ٢٨٫٥ مقابل ٢٠– وهو ما يشكل نقطة ضعف لهؤلاء السكان أمام الفيروس حال تعرضهم له. وتمتاز هذه الفئة أيضًا بمستوى منخفض نسبيًا من حرية الصحافة، حيث قامت بعض هذه الدول، وأهمها الجزائر ومصر، باعتقال صحافيين بسبب تقاريرهم حول كوفيد-١٩. من المرجح أن تكون هذه القيود قد قللت من الثقة بهذه الحكومات ومن فهم سبل التواصل معها، وهذا ما عرقل التعامل مع الجائحة بشكل فعال. في الواقع، سجلت هذه المجموعة من الدول ما معدله ١٧٫٥ درجة من أصل ٢٠ درجة محتملة في تقييم مواطن الضعف والمخاطر على امتداد العوامل الأربعة الأكثر ارتباطًا بالحالات المبلغ عنها وهي: الانفتاح على العالم الخارجي، وسكان المناطق الحضرية، والعمر، وحرية الصحافة. علما بأن متوسط هذه العوامل الأربعة في أفريقيا هو ١١.

الكيانات المصغرة المعقدة

ملفة تعريف المخاطر - الكيانات المصغرة المعقدةملف المخاطر: الكيانات المصغرة المعقدة

تمثل فئة الكيانات المصغرة المعقدة البلدان ذات التعداد السكاني المتحضر الكبير ذات المشاهد الاجتماعية والجغرافية واسعة التنوع، والتحديات الأمنية المعقدة- انعكاسًا للتنوع الكبير الذي تشهده القارة الأفريقية. متوسط حجم السكان في فئة الكيانات المصغرة المعقدة (٨٧ مليونًا) أعلى من أي من الفئات الأخرى، وتغطي هذه البلدان مناطق يبلغ متوسط مساحتها ١٫١ مليون كيلومتر مربع. ويعتبر سكانها من ضمن الشرائح الخمس الأكثر تحضرًا عبر أفريقيا. يعيش الكثير من سكانها في مستوطنات غير رسمية مكتظة بالسكان، ما يجعلهم بشكل خاص عرضة للانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد. ونظرًا لأن العديد من هؤلاء الأشخاص يعملون في مجال الخدمات كسائقين وموظفي خدمات منزلية، فهم يتواصلون يوميًّا مع الشبكات الاجتماعية الأخرى، ما يعزز مواطن ضعفهم في التعرض للمرض والعدوى. ومع ذلك، فإن الحالات المبلغ عنها من كوفيد-١٩ لهذا الملف التعريفي لا تمثل سوى ١٣ بالمئة من إجمالي الحالات في أفريقيا، على الرغم من أن هذه الفئة تضم ٣٥ بالمئة من إجمالي عدد السكان.

ويعزى جزء من التأثير الأقل حدة للجائحة على هذه المجموعة إلى الانخفاض النسبي في مستوى انفتاحها على العالم الخارجي مقارنة بدول المعابر، ما أدى إلى تباطؤ انتشار الفيروس في مراحله الأولى. علاوة على ذلك، فإن سكان الكيانات المصغرة المعقدة أصغر سنًا من متوسط الأعمار ​​الأفريقي في المعدل. ومن المرجح أن تخفف هذه الميزة الديموغرافية من حدة أكثر آثار الجائحة تدميرًا. وتنعكس مواطن الضعف الأكثر اعتدالاً حاليًا على متوسط عوامل الخطر للكيانات المصغرة المعقدة الذي يبلغ ١٣ من أصل ٢٠ درجة للعوامل الأربعة الأكثر ارتباطًا.

ومع ذلك، فإن هذه المجموعة لديها مستويات أعلى من المخاطر فيما يتعلق بالعوامل المهمة الأخرى التي من المرجح أن تجعلها عرضة للخطر طوال فترة الأزمة. وتحديدًا، هذه البلدان لديها أنظمة صحية أضعف نسبيًا، ما يحد من القدرة على الاختبار، والإبلاغ عن الحالات، والتعامل مع الانتشار. وبعبارة أخرى، من المحتمل أن يكون هناك نقص كبير في عدد حالات كوفيد-١٩ بين بلدان الكيانات المصغرة المعقدة. علاوة على ذلك، فإن أربعًا من الدول الخمس في هذه الفئة لديها نزاعات نشطة ولدى الدول الخمس مستويات عالية من اللاجئين والمشردين داخليًّا. فبالإضافة إلى كون النزاعات من العوامل المُسرِّعة المحتملة لانتقال الفيروس، فإنها من الأمور الرئيسية التي تصرف الحكومات عن حشد مواردها لوقف تدفق الفيروس. علاوة على ذلك، تشكل الأعداد الكبيرة من السكان النازحين قسرًا خطرًا فريدًا للانتشار السريع الذي من شأنه أن يدمر سريعًا هذه الفئات الضعيفة ويعمل في الوقت نفسه على تعزيز انتشار كوفيد-١٩ داخل هذه البلدان. ويؤكد العدد المتزايد لحالات التفشي المبلغ عنها داخل مجتمعات اللاجئين والمشردين داخليًا في أفريقيا على هذه المخاطر. وكنتيجة لمواطن الضعف هذه وغيرها، فإن مستوى عوامل الخطورة الإجمالية لدى الكيانات المصغرة المعقدة (٣٥ من أصل ٤٥ ممكنة) أعلى من أي من المجموعات التي تم استعراضها. لذلك، فمن الممكن جدًا لهذه البلدان أن تصبح مراكز عدوى حال تفشي الوباء.

دول المراكز المستقرة

ملفة تعريف المخاطر - دول المراكز المستقرةملف المخاطر: دول المراكز المستقرة

تمثل فئة المراكز المستقرة البلدان التي يتراوح عدد سكانها ما بين ٢٠ و٥٠ مليونًا والتي تعد بمثابة مراكز اقتصادية إقليمية. السمة المميزة لبلدان هذه المجموعة هي أنها لا تواجه نزاعات نشطة. وتمتاز الطبيعة الأساسية لهذه المجموعة بأن عوامل الخطر التي تنطوي عليها تعكس إلى حد كبير المتوسط الأفريقي. وهكذا، فإن المراكز المستقرة هذه أقل عرضة لكوفيد-١٩ من مجموعات الدول المعابر أو مجموعات الكيانات المصغرة المعقدة نظرًا لأن سكان المراكز المستقرة المتحضرة هنا أصغر نسبيًّا وأقل كثافة، إضافة إلى وسائل الإعلام الأقوى والأكثر استقلاليةً مقارنة بغيرها. وتمتاز هذه المجموعة أيضًا عن فئة الدول المعابر باعتدال مستوى انفتاحها على العالم الخارجي، ما يحد من تدفق الانتشار من خارج القارة.

يعمل الاستقرار النسبي لهذه الفئة على تمكين هذه البلدان من تكريس المزيد من الاهتمام والموارد لمواجهة التحدي الذي يمثله كوفيد-١٩. وتواجه بعض البلدان في هذه الفئة، مثل أوغندا، مواطن ضعف أكثر نتيجة لإيوائها عددًا هائلاً من السكان النازحين قسرًا. ومع ذلك، وبشكل عام، تعمل المستويات الدنيا من الانفتاح على العالم الخارجي، والتجمعات الحضرية الأصغر، وإعداد الشباب المرتفعة نسبيًّا، وبيئة الإعلام الأكثر انفتاحًا في هذه المراكز المستقرة على تشكيل عامل خطر يصل في معدله الإجمالي إلى ١١٫٥ من ٢٠ درجة من بين المتغيرات الأربعة الأكثر ارتباطًا.

في الوقت الذي تعتبر فيه هذه المجموعة أقل عرضة لعوامل خطورة كوفيد-١٩ من بعض الملفات التعريفية الأخرى، فإنها جديرة بالملاحظة نظرًا لمدى الشفافية الحكومية. هناك، حقيقةً، علاقةٌ عكسية بخصوص عوامل الحوكمة هذه والحالات المبلغ عنها من فيروس كورونا. وبعبارة أخرى، فإن عدد الحالات المبلغ عنها في البلدان الأكثر شفافية نسبيًا مثل غانا، وساحل العاج، والسنغال أعلى بكثير من أنغولا، التي لديها أدنى المستويات من الحالات المبلغ عنها لكل مليون شخص في القارة. وبناءً على ذلك، فإن الافتقار للشفافية إلى جانب النظم الصحية الضعيفة لدرجة لا تمكنها من إجراء اختبارات كافية يمكن أن يتيح الفرصة لموجة مفاجئة من الانتشار في بعض بلدان المراكز المستقرة دون الوعي العام والتجاوب في الوقت المناسب.

المدن العنقودية / الدول الهشة

ملفة تعريف المخاطر - المدن العنقودية / الدول الهشةملف المخاطر: المدن العنقودية / الدول الهشة

تمثل فئة المدن العنقودية/ الدول الهشة في التعرض لكوفيد-١٩ في أفريقيا ما يقارب الاثنتي عشرة دولة أفريقية، معظمها في منطقة الساحل والقرن الأكبر، وتمتاز باحتوائها على مناطق حضرية كثيفة السكان، في حين تواجه أيضًا نزاعات نشطة أو عددًا كبيرًا من السكان النازحين قسرًا. لم يأتٍ هذا المزيج بمحض الصدفة، حيث تميل حالة عدم الاستقرار إلى دفع الناس إلى البلدات والمدن. والنتيجة النهائية هي مزيج مركب من عوامل الخطر، مثل المناطق الحضرية الكثيفة السكان، وأنظمة الصحة العامة الضعيفة، والضغط على الموارد لمكافحة كل من الجائحة والمخاوف الأمنية.

قد لا تقفز الكثافة السكانية في المناطق الحضرية فورًا إلى الذهن عند التفكير في العديد من البلدان في هذه الفئة. فمتوسط سكانها يبلغ ١٤ مليونًا فقط، ولدى العديد من هذه البلدان مساحات شاسعة من الأراضي قليلة السكان. ومع ذلك، فإن نسبة كبيرة من السكان في هذه البلدان تعيش بشكل غير متكافئ في المدن والبلدات. ومع متوسط ٤٢٠٠ شخص لكل كيلومتر مربع يعيشون في المناطق الحضرية، فإن هذه المجموعة لديها أعلى مستوى من الكثافة السكانية الحضرية في القارة، مقارنة بمدن مثل بوغوتا وكابول. ويخلق هذا المستوى من الكثافة السكانية خطر انتقال كوفيد-١٩ مشابهًا لذلك في الدول الأكثر تحضرًا، على الرغم من أن البلدان في فئة المدن العنقودية/ الدول الهشة تعتبر على المستوى الوطني من بين الدول الأقل كثافة سكانية في العالم.

وتتفاقم مخاطر كوفيد-١٩ لهذه الفئة لحقيقة أن معظم البلدان في هذه المجموعة تواجه مستوى ما من النزاعات النشطة. إضافة إلى ذلك، تؤوي جميعها أعدادًا كبيرة من السكان النازحين (بمعدل ٦٫٥ بالمئة من إجمالي السكان). تعمل هذه العوامل على جعل هذه البلدان أكثر عرضة للانتشار السريع، وربما غير المكتشف. وما يزيد من تفاقم تحديات الجائحة لهذه المجموعة من الدول هو أن أنظمة الصحة العامة لدى معظمها سيئة نسبيًا، ما يساهم في الحد من الاختبارات والحالات المبلغ عنها (وعدم الثقة بخطورة التهديد). زد على ذلك، فإن المستويات المنخفضة نسبيًا من الشفافية وحرية الصحافة تؤدي إلى خلق بيئة لا يتم فيها الإبلاغ عن الارتفاع الكبير في انتقال العدوى، ما قد يسهل انتشارًا أوسع.

وما يخفف من حدة هذه التهديدات الخطيرة المحتملة هو كون هذه المجموعة تتمتع بأدنى مستويات من الانفتاح على العالم الخارجي وأصغر الفئات العمرية في القارة. تساهم هذه الخصائص في جعل عامل الخطر لمجموعة المدن العنقودية/ الدول الهشة بالنسبة للمتغيرات الأربعة الأكثر ارتباطًا تصل إلى حصيلة متواضعة نسبيًا لتبلغ ١٠ من أصل ٢٠. وينعكس هذا لدى إحدى عشرة دولة في هذا الملف التعريفي تمثل ٦ في المئة فقط من حالات كوفيد-١٩ المبلغ عنها في أفريقيا، حتى وإن كانت تشكل ١٢ في المئة من إجمالي سكان أفريقيا. ومع ذلك، فإن عوامل الخطر المستترة لهذه المجموعة تجعلها عرضة لتحوّل مفاجئ.

الدول الصغيرة / المفتوحة و الدول الصغيرة / المقيدة

ملفة تعريف المخاطر - الدول الصغيرة / المفتوحةملفة تعريف المخاطر - الدول الصغيرة / المقيدة

ملف المخاطر: الدول الصغيرة / المفتوحةملف المخاطر: الدول الصغيرة / المقيدة

لدى فئات الدول الصغيرة/ المفتوحة والصغيرة/ المقيدة ملفات تعريف لمخاطر كوفيد-١٩ متشابهة كثيرًا فيما يتعلق بخصائصها الهيكلية. فهي تتكون مما يقارب العشرين دولة أفريقية يبلغ متوسط عدد سكانها ٥٫٥ مليون نسمة، وعدد صغير نسبيًا من السكان الحضريين والكثافة الحضرية، ومتوسط الأعمار في هذه الدول متشابه، ولديها مستويات متدنية من الانفتاح على العالم الخارجي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هاتين المجموعتين تتمتعان باستقرار نسبي ومستويات منخفضة من الصراع والتهجير القسري. باختصار، فإن معدل عرضتها مجتمعةً لكوفيد-١٩ يعتبر منخفضًا نسبيًا، وهو ما يمكن أن تتحمله الأعداد الصغيرة نسبيًا من الحالات المبلغ عنها مقارنة بإجمالي السكان (٦ مقابل ١١ في المئة من العدد الإجمالي في أفريقيا).

يكمن الفارق الأساسي بين هاتين المجموعتين السكانيتين الصغيرتين في الحوكمة. فتمثل الفئة الصغيرة/ المفتوحة تلك البلدان التي تتمتع بحرية وشفافية أقوى في الصحافة ضمن هذا التصنيف. أما الفئة الصغيرة/ المقيدة فتمثل تلك الدول التي تحتفظ بمزيج دون المتوسط من حرية الصحافة وتدابير الشفافية. ونظرًا للأهمية الحيوية للمعلومات في توعية الجمهور، وبناء الثقة، وتنظيم العمل الجماعي، وتحديد الحالات والتجاوب معها، والتأقلم مع الحقائق المتغيرة للجائحة، فإن هذا الفارق يعد السمة المميزة لملف تعريف مخاطر كوفيد-١٩ لكلٍ من المجموعتين.

ينعكس هذا الاختلاف في الحوكمة على التجارب المتباينة لهذه الدول في التعامل مع كوفيد-١٩. حيث أجرت دول المجموعة الصغيرة/ المفتوحة، كمتوسط، اختبارات لكوفيد-١٩ بنسبة ٣٠ في المئة أكثر من مجموعة الدول الصغيرة/ المقيدة (٤٣٬٦٧٣ مقابل ٣٣٬٥٩٣). وعلى الرغم من ذلك، قامت دول المجموعة الصغيرة/ المقيدة بالتبليغ عن حالات بنسبة ٧٥٪ أكثر من الدول الصغيرة/ المفتوحة (٣٤٨ حالة مقابل ٢٠١ حالة) لكل مليون شخص.

باختصار، يبدو أن الدول الصغيرة/ المفتوحة تقوم بإجراء اختبارات أكثر وتعمل بالتالي على تسطيح منحنى عمليات الانتقال بشكل أسرع من الدول الصغيرة/ المقيدة. فعلى سبيل المثال، يُشار إلى مستوى الشفافية المرتفع كعامل رئيسي في تمكين تونس من تقليل عدد الحالات التي واجهتها بشكل ملحوظ.

الدول محدودة الشفافية

ملفة تعريف المخاطر - الدول محدودة الشفافيةملف المخاطر: الدول محدودة الشفافية

الفئة الأخيرة من ملفات تعريف كوفيد-١٩ الأفريقية هي البلدان -تنزانيا، وبوروندي، وإريتريا- التي لا تقوم بإجراء الاختبارات أو تبلغ عن حالات فيروس كورونا بشكل فعال. ونتيجة لذلك، فإنه في غاية الصعوبة أن نكون واثقين من مدى خطورة تأثير الجائحة على هذه البلدان. وحسب ما ذكرت كل من تنزانيا، وبوروندي، وإريتريا وصلت الحالات المعلن عنها إلى ٨، و١٦، و٤١ حالة لكل مليون من السكان على التوالي. المتوسط الأفريقي هو ١٨٩ حالة لكل مليون. يشير استخدام هذا المتوسط كمعيار أساسي إلى أن عدد الحالات الفعلي في هذه البلدان الثلاثة يمكن أن يكون ما بين ٥ إلى ٢٤ ضعف العدد المبلغ عنه حاليًا. وفي حين لم يتم تضمين الدول الأفريقية الأخرى في هذه الفئة نظرًا لتقاريرها الأكثر اتساقًا، فإن تلك الدول أعلنت عن حالات محدودة بشكل ملحوظ وتشمل أنغولا (١٢ حالة لكل مليون)، وأوغندا (٢١)، وموزمبيق (٣٤)، وزيمبابوي (٥١).

ومع إعادة الفتح التدريجي للاقتصادات الأفريقية، فإن خطر انتقال العدوى عبر الحدود مع السفر والشحن يعني أن عدم الإبلاغ من قبل أي بلد له عواقب على المنطقة برمتها. إن أوجه التباين الوطنية في إجراء الاختبارات والتبليغ عن الإصابات، والوعي العام، ومعاملة الأفراد المعرضين للإصابة يعيق بدوره التنسيق الإقليمي.

ومن المفارقات، أنه مع الانخفاض النسبي لدرجة الانفتاح على العالم الخارجي ونسبة الشباب بين السكان، فكل هذا لا يعني أن البلدان من فئة الشفافية المحدودة معرضة بالضرورة لمخاطر كثيرة. في الواقع، يبلغ متوسط عامل الخطر الإجمالي للعوامل الأربعة الأكثر ارتباطًا ١١ درجة فقط من أصل ٢٠، وهو ما يضعها على نفس مستوى ملفات تعريف الدول الصغيرة/ المقيدة. ومع ذلك، ومن خلال عدم اطلاع سكانها على خطورة التهديد واتخاذ الاحتياطات، فقد تعمل هذه البلدان على تضخيم حجم المشكلة التي تواجهها بشكل كبير.

الدلالات

يسلط هذا التحليل الضوء على أهمية الابتعاد عن تعميم رواية واحدة على كل الدول الأفريقية حول فيروس كورونا. ففي الوقت الذي يتم فيه عرقلة التحليلات الأعمق بسبب عدم التكافؤ في إجراء الاختبارات والإبلاغ عن الإصابات، تتكشف العديد من التجارب المتباينة المتعلقة بكوفيد-١٩ في كافة أرجاء القارة. ويواجه كلٌ من هذه الملفات التعريفية مستويات وأنواعًا مختلفة من مخاطر كوفيد-١٩. كانت بعض الملفات، ولا سيما الدول المعابر، الأكثر عرضةً في المراحل الأولى من الجائحة نظرًا لمستوياتها المرتفعة من الانفتاح على العالم الخارجي. ومع ذلك، فقد تكون الفئات الأخرى، لا سيما مجموعات الكيانات المصغرة المعقدة والمدن العنقودية/ الدول الهشة، أكثر عرضة مع مرور الوقت بسبب العدد الكبير من السكان في المناطق الحضرية، أو الصراعات المتواصلة أو التجمعات الكبيرة من اللاجئين والمشردين داخليًّا، والمستويات المتدنية نسبيًا من الشفافية وحرية الصحافة.

مجموع العوامل الأكثر ارتباطًا

مركب من عوامل الخطر التسعة

سوف تتنوع إدارة مَواطن الضعف هذه حسب اختلاف ملف تعريف المخاطر. ففي حين قد تختلف مستويات الخطر عبر المجموعات، إلا أنه لا بد من اليقظة المستمرة في كافة أرجاء القارة، حيث لا تزال جميع الفئات تشهد ارتفاعًا في عدد الحالات المبلغ عنها. علاوة على ذلك، ونظرًا لخطر انتقال العدوى عبر الحدود، فإن مواطن الضعف في أحد البلدان تشكل ضعفًا للمنطقة برمتها.سوف تحتاج البلدان ذات المخاطر العالية بسبب العوامل الهيكلية مثل الانفتاح على العالم الخارجي، وكثرة سكان المناطق الحضرية، والفئة العمرية الأكبر سنًا نسبيًا إلى مواصلة جهودها لاحتواء عمليات انتقال العدوى بين السكان المعرضين لخطر الإصابة. وسيشمل ذلك الاستمرار في الحد من التجمعات الكبيرة أو العالية الكثافة، وخاصة داخل المباني، وتوعية المواطنين بأهمية ارتداء الكمامة. وبالمثل، فإن توفير الحماية للمهنيين في المجال الصحي في أفريقيا أقرب ما يكون إلى سباق الماراثون منه إلى السباق السريع، وهو ما سيضاعف من القوة الحيوية للحفاظ على سلامة السكان على نطاق أوسع. تتمثل قوة نظام الصحة العامة في أفريقيا في شبكات الإرشاد الصحي المجتمعي، التي تؤكد على الوقاية وتغيير السلوك. ولا تزال الوقاية هي الرد صاحب الأولوية على الجائحة في أفريقيا، وتتطلب بالتالي الحفاظ على سلامة العاملين في مجال الصحة.

الحالات التراكمية المبلغ عنها لفيروس كوفيد-١٩

كما سلط هذا التحليل الضوء أيضًا على التحديات المعقدة التي تواجهها البلدان المتأثرة بالصراعات في تصديها لفيروس كوفيد-١٩. يجب على القادة السياسيين والجمهور الخوض في المصالح المتنافسة بموارد محدودة للرد على كلتا المجموعتين من التهديدات. تمثل أعداد كبيرة من الناس الذين يعيشون في مستوطنات غير رسمية، بالإضافة إلى مجتمعات اللاجئين أو النازحين في كثير من الأحيان في أماكن متلاصقة، نقاطًا ساخنة محتملة لظهور طفرات في سرعة الانتشار في هذه البلدان. تتطلب الممارسات المثلى المشاركة الاستباقية لقادة المجتمع في هذه المستوطنات العالية الكثافة لتطبيق خطوات عملية لتعزيز التباعد الاجتماعي، وغسل اليدين، وخيارات بديلة في النقل، وعزل الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض، ومتابعة التواصل.

يمكن لضغوط التنافس الناتجة عن النزاعات أن تمنع مثل هذه المبادرات، وهذا هو الأساس المنطقي لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، التي تبناها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من أجل وقف عالمي لإطلاق النار خلال الجائحة. وبالمثل، ينبغي للعلاقة بين كوفيد-١٩ والنزاع أن تعطي مزيدًا من الزخم لمبادرة “إسكات البنادق” التي أطلقها الاتحاد الأفريقي. ربما تعمل القيود على الاختبارات في الأوساط المتأثرة بالنزاع على تمكين فيروس كورونا من الانتشار قبل ظهوره المباشر. وما يزيد من تعقيد هذا الغموض هو حقيقة أن الشفافية الحكومية وحرية الصحافة تميلان إلى أن تكونا محدودتين أكثر في البلدان المتأثرة بالنزاعات.

حتى خارج مناطق النزاع، أكد هذا الاستعراض على أهمية الحوكمة، والشفافية، وحرية الصحافة في مكافحة الجائحة. تميل حالات كوفيد-١٩ المبلغ عنها إلى أن تكون مرتبطة بالحوكمة الأكثر انفتاحًا. ومع توسع انتشار الجائحة في جميع أنحاء أفريقيا، ستبقى الصحافة الحرة مكونًا لا يتجزأ للتخفيف من تفشي المرض من خلال العمل كنظام إنذار مبكر يهدف إلى تجاوب الصحة العامة. وكذلك ستكون الشفافية الحكومية أمرًا حيويًّا في ترسيخ الثقة والامتثال لتدابير الصحة العامة اللازمة لإبطاء الفيروس. وبالتالي، فإن الصحافة الحرة هي أداة حاسمة في مواجهة الجائحة في أفريقيا وضرورية لاستراتيجية المرونة في القارة بشكل عام.


مصادر أضافية