Print Friendly, PDF & Email

استقرار قطاع الأمن: شرط أساسي للاستقرار السياسي في جنوب السودان


English | Français | العربية

أعضاء الحرس الرئاسي في جنوب السودان. (تصوير: ستيف إيفناز)

أعضاء الحرس الرئاسي في جنوب السودان. (تصوير: ستيف إيفناز)

مقدمة

أدت العقود المتتالية من الصراعات في جنوب السودان إلى تآكل الفواصل بين الأدوار والمسـؤوليات بين الطبقة السياسية والقطاعات الأمنية، ما يؤدي إلى التقارب المتعمد والكارثي. واحدة من نتائج هذا التشابك أن الأجهزة الأمنية أصبحت تلعب دورًا مركزيًا في السياسة، كما أصبح السياسيون مشغولين بالمسائل العسكرية والأمنية. ونتيجة لذلك، فقد أصبح من الضروري مغازلة الجهات الأمنية وبناء علاقات معها استنادًا إلى المحسوبيات ليتمكن سياسيو جنوب السودان من البقاء والازدهار.

إحدى النتائج الرئيسية لهذه التفاعلات بين السياسيين والأطراف الفاعلة في قطاع الأمن هي تسييس الأمن، وعسكرة السياسة. ولسوء الحظ، فالجهات الخاسرة لا تنحصر فقط في الجهات الفاعلة من السياسيين، أو العسكريين من رجال ونساء، ولكن الخاسر الحقيقي هم مواطنو جنوب السودان، ومؤسسات الدولة وأنظمتها وهيئاتها التي يمكن اعتبارها قد تشوهت بشكل كبير يستحيل معه إصلاحها. وأصبحت البنى الأساسية والهيئات الرقابية لقطاع الأمن أضعف بكثير من أن تؤدي المهام الموكلة إليها.

ونتيجة لهذه العلاقة غير الصحية بين الأمن والسياسة والتي يعزز فيها كل منهما الآخر ليكون الناتج على الدوام هو عدم الاستقرار السياسي في قطاع الأمن. ومن المفارقات، أن نجد أن قطاع الأمن قد أصبح هو المحرك الرئيسي لحالة “انعدام الأمن” وعدم الاستقرار السياسي، وتزدهر الطبقة السياسية من رعايتها وإدارتها لهذه الحالة من “انعدام الأمن” و”عدم الاستقرار”.

وتساهم علاقة “المنفعة” المتبادلة هذه في إيجاد مصلحة في الوضع الراهن؛ وهذا ما يشكك في استعداد الجهات المحلية الفاعلة وقدرتها على تحقيق الاستقرار لقطاع الأمن وإصلاحه. وعدم الرغبة في الإصلاح يضع موضع الشك جدوى مبادرات إصلاح قطاع الأمن على المدى القصير، والمبادرات التقليدية لمعالجة قطاع الأمن (SSR) في مواجهة عدم الاستقرار الأمني والسياسي في جنوب السودان. وبالمثل، وفي ضوء الطبيعة المعقدة للتحديات الأمنية التي تواجهها البلاد –والتي تعزى جزئيًا لاختلاط الخطوط بين الأمن والقطاعات السياسية– لا بد من التركيز على استقرار القطاع الأمني (SSS) لأجلٍ ما بين القصير والمتوسط.

المتطلبات الأساسية لإصلاح قطاع الأمن

إصلاح قطاع الأمن في أي مجتمع يفترض وجود نوع من البنى والمؤسسات والأفراد المسؤولين عن توفير وإدارة الأمن العام وأمن الدولة. وينبغي أن ينطوي هذا النظام الأمني على مهام المساءلة والرقابة والدفاع والمخابرات وأجهزة الأمن، والإدارة المتكاملة للحدود، والشرطة، والعدالة، وشركات الأمن الخاص والعسكري، ومؤسسات المجتمع المدني، لتشكل جميعًا نظــامًا شاملاً.۱

وعندما يتم اعتبار هذه البنى والمؤسسات والأفراد غير قادرين أو غير مستعدين، إما بسبب تحديات هيكلية أو غير هيكلية، عندها تتضح الحاجة إلى الإصلاح. وعند مقارنة صورة النظام الأمني المهني، والمعقول التكلفة، والخاضع للمساءلة مع النظام الأمني الموجود في جنوب السودان فإن هذه المقارنة تقودنا إلى استنتاج لا مفر منه مفاده أن الموجود في جنوب السودان هو مجرد هيكل لا يحاكي أي قطاع أمني إلا من بعيد. فما نراه في الجنوب بدلاً من ذلك هم رجال ونساء يحملون البنادق وقادرون ومستعدون للقتل والتدمير.

ضعف المؤسسات والتعبئة السياسية الإقليمية-العرقية وما يصاحبها من دوافع استبعاد الآخــر بالرغم من أنها تحمل شعار القوات الوطنية، إلا أن الجيش الشعبي لتحرير السودان (SPLA) وغيره من الأجهزة الأمنية قد تم تنظيمها بشكل فضفاض على شكل ميليشيات وقوات عسكرية بالوكالة، تتميز بتحالفات وولاءات متحولة ومنحازة لأمراء الميليشيات والسياسيين من مختلف الأعراق. وبما أن الأمن يتم تعريفه بطريقة ضيقة ليعني فقط “المحافظة على أمن النظام” يصبح وجود قطاع الأمـــن أساسًا لحماية مصالح رعاة المشروع الرئيسيين أو حماية مجموعات عرقية معينة. ولذلك، فحتى لو أصبحت الظروف المناسبة متوفرة والوقت مواتيًا، فإن الحديث عن إصلاح قطاع الأمن (SSR) في هذا السياق يكون مجرد طموحات مفرطة.

استقرار قطاع الأمن والأولويات الفورية

في بيئة كالمذكورة أعلاه، ينبغي أن تكون الأولوية الفورية لجنوب السودان هي تهيئة الظروف الضرورية للاستقرار الأمني لتمكين عملية السلام من إرساء جذورها. وهذا بدوره يضع الأساس لإصلاح قطاع الأمن (SSR) وإعادة الإعمار والتنمية. وهذا ما يركز عليه استقرار قطاع الأمن (SSS). وفقًا لوحدة الاستقرار في المملكة المتحدة:

يسعى استقرار قطاع الأمن إلى تمكين الحــد الأدنى والأساسي من الأمن والعدالة، وبالقيام بذلك فإن القطاع الأمني يقوم بحماية وتعزيز سلطة سياسية شرعية وإعداد الأسس اللازمة للانتقال إلى إصــلاح وإعادة هيكلة قطاع الأمن على المدى البعيد.٢

وينبغي أن يصبح التركيز الرئيسي لعملية إصلاح قطاع الأمن (SSR) على إنهاء أو منع تجدد الصراع العنيف، وبالتالي خلق مناخ يشعر فيه الناس بالأمان بدرجة معقولة. ويتصف هذا المناخ الجديد بإرساء سياسة اللاعنف وتمكين المواطنين من المشاركة في الأنشطة الاقتصادية الأساسية في البلاد. وهذا ما هو ممكن خلال السنوات الثلاث المقبلة في ظل الظروف الراهنة في جنوب السودان.

هنالك عامل آخر يوصي بنهج استقرار قطاع الأمن (SSS) لجنوب السودان وهو مرونة SSS وقدرته على التكيف. ولتحقيق النجاح، يجب أن يستوفي إصلاح قطاع الأمن (SSR) معايير معينة:

  • الإرادة السياسية لزعماء السياسة وقادة الأمن
  • السعي لإصلاحات مؤسساتية شاملة
  • قيادة وطنية قوية
  • ينبغي أن تكون العملية الإصلاحية مملوكة وطنيًا
  • إتاحة مساحة للحوار الوطني
  • وجود إطار للمساءلة الديمقراطية

من جانبها، تتخلص عملية SSS من بعض العناصر المكملة لعملية SSR. فعلى سبيل المثال، ليس من الضروري أن تكون العملية شاملة، ولكن بدلاً من ذلك، يمكن أن تركز فقط على الجهات الأمنية -مثل القوات المسلحة وجهاز الشرطة– وهما الجهتان الأكثر أهمية للحد من تجدد العنف. علاوة على ذلك، يمكن أن يقودها طرف خارجي، وبالتالي تقليل المنافسة بين الأطراف المحلية أو التخلص منها. يمكن تسلسل ملكية العملية مع الهدف النهائي المتمثل في التحول الكامل لعملية إصلاح القطاع الأمني (SSR) بقيادة وملكية وطنيتين.

لهذه الأسباب والاعتبارات، من المستحسن، أن يكون التركيز على تحقيق استقرار الوضع الأمني كإجراء يمكن تحقيقه على الأمد القصير بدلاً من التركيز على SSR. في بيئة مثل تلك الموجودة في جنوب السودان -مع وجود السياسة المضطربة والعنف السياسي المستمر، وضعف القدرات المؤسساتية والتنظيمية– يصبح استقرار الأمن هو الأنسب. وبهذه الطريقة، يصبح الهدف هو تحقيق الحد الأدنى من الأمن على الأقل، وتعزيز وحماية شكل ما من أشكال السلطة السياسية الشرعية، وإرساء أساس للانتقال نحــو عملية إصلاح قطاع الأمن (SSR) على الأمد المتوسط أو البعيد.

إصلاح قطــاع الأمـــن في جنوب السودان: الطريق طويل

مع وجود القليل من الفترات السلمية، بقي جنوب السودان في حالة حرب منذ عام ١٩٥٥. فليس من المستغرب أن يصبح الاقتصاد في الجنوب اقتصاد حرب في حين تم تدريجيًا عسكرة المجتمع وأصبح القطاع الأمني هو الأنشط والأكثر إدرارًا للربح. عملت المنافسات العرقية على تغذية الفصائلية العرقية وتسببت في انتشار الجماعات المسلحة، التي استبعد أغلبها من محادثات السلام التي أدت إلى اتفاقية السلام الشامل (CPA) بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM).

أعضاء من ميليشيا "أولاد السهم" في غرب أكواتوريا (تصوير غاي د.)

أعضاء من ميليشيا “أولاد السهم” في غرب أكواتوريا (تصوير غاي د.)

أصبحت هذه الجماعات المسلحة هي القــوة الرئيسية المزعزعة للاستقرار في فترة ما بعد اتفاقية السلام الشامل (CPA) في جنوب السودان. وخشيةً من أن تعرقل هذه الميليشيات الاستفتاء على الاستقلال، قامت حكومة جنوب السودان بالعفو عن آلاف من المقاتلين غير النظاميين من مختلف الميليشيات، ثم قامت بدمجهم في الجيش الشعبي لتحرير السودان (SPLA). وبالتالي، أصبح SPLA متضخمًا وصار الإبقاء عليه مكلفًا، وغير مهني. واختفى عنه أي مظهر من مظاهر الجيش الوطني.

على الرغم من معرفة الأطراف الدولية في عملية إصلاح قطاع الأمن (SSR) بأن أي شيء أقل من تفكيك SPLA وبناء جيش وطني جديد من الصفر لن يجدي نفعًا، إلا أنهم استمروا على أية حال في استثمار الموارد في إصلاح قطاع الأمن، يحفزهم على ذلك خشــيتهم من انتشار الميليشيات التي قد تشكل مصدرًا جديدًا لانعدام الأمن. وفي النهاية، وبسبب عوامل داخلية وأخرى خارجية متعلقة بـ SPLA فقد فشلت جهود إصلاح قطاع الأمن (SSR) في تحقيق أهدافها الرئيسية. ولهذا السبب، كان من السهل على SPLA الانشقاق إلى فصائل عندما انتشر الصراع السياسي من داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى الجيش. من الممكن الاعتقاد بأن وجود جيش وطني بعد إصلاحه، قد يبقى متماسكًا حتى وإن اختلف القادة السياسيون مع كـير في معالجته لمسألة تداول السلطة في جنوب السودان.

ساهمت الحرب الأهلية التي اندلعت في شهر كانون الأول من عام ٢٠١٣ على امتداد خطوط الصدع التاريخية في تمزق الجيش الشعبي من النواحي العرقية الإقليمية والموروثة. فقد تسببت الحرب في تجريد الجيش الشعبي من أي لون من ألوان الوطنية التي كان قد حافظ عليها خلال أيام التحرير. وقد لاحت فرصة ثانية وجيزة للإصلاح خلال فترة السلام القصيرة في عام ٢٠١٥، وحتى كان من الممكن خلالها تسريح الجيش الشعبي وبناء جيش وطني جديد. ولكن عدة عوامل ساهمت في ضياع تلك الفرصة، وهي تتضمن: التباطؤ في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية، واستمرار العنف بما في ذلك استهداف المدنيين في جوبا في تموز من عام ٢٠١٦، والتفاوت في تنفيذ اتفاقية تسوية النزاع في جمهورية جنوب السودان (ARCSS). وكل هذه العوامل كانت تشير إلى أنه لم يحدث أي تقدم يذكر فيما يتعلق ببناء الأساس لإصلاح قطاع الأمن.

كيف ينبغي أن يكون الاستقرار في قطـــاع الأمن؟

لم يعد من الممكن المضي في بناء هيكل أمني وطني لجنوب السودان على البنية التحتية الأمنية القائمة. فتاريخ البلاد، وسمعة القطاع الأمني الحالي غير المحمودة، والسمة العرقية التي تحكم التعاملات بين كل من الجهات الأمنية والكيانات السياسية المحلية، كل ذلك يقدم لنا مبررًا قويًا لبناء قوة أمنية وطنية جديدة تبدأ من صفحة بيضاء. فنقطة البداية لتحقيق الاستقرار الأمني في جنوب السودان يجب أن تكون إعادة البناء، وليس سد النقص أو الترقيع في قطاع الأمن. ولإعادة بناء قطاع أمني جديد يجب أن تمحى آثار الماضي وتبدأ صفحة بيضاء جديدة.

هناك حاجة لإنشاء قوة الاستقرار الأمني متعددة الجنسيات (MSSF) من قبل الاتحاد الأفريقي وبدعم من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الأوسع لتحل محل القطاع الأمني القائم. ثلاثة أرباع تكلفة إنشاء قوة الاستقرار الأمني متعددة الجنسيات (MSSF) ينبغي أن تتحملها الميزانية الوطنية في جنوب السودان، والباقي تساهم به الأطراف المتعددة. وينبغي أن تركز مهمة (MSSF) على خدمات الأمن الأساسية –خدمات الشرطة والقوات المسلحة. في حالة مواجهتها لتحدٍّ أمني خطير سواء كان تحديًا داخليًا أم خارجيًّا أثناء تأدية MSSF لمهمتها، سيكون هناك حاجة لدعم ثنائي– على غرار تدخل بريطانيا في سيراليون في عام ٢٠٠٠، أو نشر فرنسا لقواتها في مالي في عام ٢٠١٢، أو (قوة لواء التدخل من جنوب أفريقيا وملاوي وتنزانيا) في “جمهورية الكونغو الديمقراطية” في عام ٢٠١٣. ويجب أن يؤخذ بالاعتبار زيادة القدرة الهجومية في تفويض MSSF. ومع ذلك، ينبغي ألا يمتد تفويض MSSF إلى إعادة بناء قوة أمنية وطنية جديدة.

وينبغي على صانعي السياسات بدولة جنوب السودان، مدعومين من خلال الترتيبات الثنائية أن يكونوا هم المسؤولين عن تخطيط وتنفيذ البنية الأمنية الوطنية الجديدة. وهذا يعني أن عمليات التخطيط، والتصميم، والتجنيد، والتدريب لقطاع الأمن الوطني الجديد يجب أن تكون بقيادة وملكية وطنية ولكن بدعم قوي من خلال الترتيبات الثنائية. وبمجــرد إنشاء جهاز الأمن الوطني الجديد، ينبغي أن يتسلم المهام الأمنية الأساسية من MSSF على مراحل بدءًا من إعداد سلسلة شاملة من القيادة الوطنية، ويتم تدريجيًا تسليم الأمن الوطني لجهاز الأمن الوطني الجديد.

التحديات الرئيسية التي تواجه اســتقرار الأمن في جنوب السودان

أي جهد لتحقيق استقرار الوضع الأمني في جنوب السودان يجب أن يتعامل مع التحديات الرئيسية التالية:

  • غياب السلطة السياسية الشرعية. فبالإضافة إلى قيامها بدور المحرك وراء حالة عدم الاستقرار، وكونها عائقًا أمام بناء هوية وطنية شاملة، فإن غياب السلطة السياسية الشرعية يحول دون تحديد اتجاه استراتيجي واتخاذ القرارات الصعبة لدفع التحول المطلوب في قطاع الأمن.
  • لا يوجد تمييز أو فصل بين كل من الجيش الشعبي لتحرير السودان (SPLA) والحزب الحاكم، أو الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM). الأثر المترتب على هذه الأدوار الضبابية هو أن يصبح كل تحدٍّ سياسي تحديًا أمنيًا وأن يصبح كل تحدٍّ أمني تحديًا سياسيًّا. وعليه، يجب أن تكون التدخلات الرامية إلى تحقيق الاستقرار الأمني تقنيةً وسياسية على حد سواء.
  • لا يوجد أي مفهوم مشترك ومتكامل للمخاطر الأمنية. دون فهم واضح وغني بالمعلومات لما يشكل تهديدًا وطنيًا، سيبقى الجهد الرامي إلى بناء قطاع أمن وطني متماسك، ومشروع، وفعال، ومعقول التكلفة حلمًا بعيد المنال. ونتيجة لذلك، لن تكون هناك بنية أمنية ولا استراتيجية.
  • لا توجد رقابة ومساءلة فعالة. فبدلاً من فرض الرقابة المدنية على الجهات العسكرية، هناك في الواقع رقابة عسكرية على المؤسسات المدنية. وهذا يضع الجهات الأمنية فوق القانون والمساءلة. تمثل ثقافة الإفلات من العقاب تحديًا لجهود تحقيق الاستقرار.
  • هنالك تهديدات أمنية متعددة الأبعاد. يمكن وصف البيئة الأمنية في جنوب السودان بأنها بيئة معقدة، وتتميز بالميوعة، ومحفوفة بالمخاطر الداخلية والخارجية. فالمخاطر الداخلية تتمثل في انتشار الأسلحة وتعدد الجهات الفاعلة المسلحة، ومع انتشار رقعة الحرب ظهرت مخاطر تهدد جهود تحقيق الاستقرار. يملك البلد كميات وفيرة من الأسلحة والذخائر في أيدي القطاع الخاص. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تؤخذ حالة انعدام القانون بعين الاعتبار ضمن هذه الجهود.
  • تقع جنوب السودان بين جيران معادين. فالدول المجاورة المتورطة في الصراع في جنوب السودان يمكن أن تزيد من تعقيد الوضع الأمني بتحفيز المفسدين. وحتى الآن لم تبرهن بعض الجهات الإقليمية الفاعلة على أنها مهتمة وملتزمة باستقرار الأمن في جنوب السودان. وبالرغم من ذلك، فإن المزيد من جهود الوصول للاستقرار يعتمد جزئيًّا على مسار العمل الذي تتخذه تلك الجهات المجاورة.

استراتيجيات ضمان الاستقرار الأمني في جنوب السودان

لا يمكن تحقيق إصلاح قطاع الأمن دون إجراء تغيير جوهري في الظروف الاجتماعية والسياسية للبلد. ولذلك، يجب أن تكون التدخلات في قطاع الأمن تدخلات واقعية ومتسلسلة. ففي جنوب السودان، ينبغي أن تكون الخطوة الأولى هي تحقيق الاستقرار الأمني، ما يستلزم خفض العنف، والتقليل من الخروج على القانون، وتعزيز الأمن العام والسلامة. حالما يتم إنجاز هذه الخطوة الأولى، سيكون الانتقال إلى إصلاح قطاع الأمن مجديًا أكثر. ولمعالجة العجز الأمني ينبغي على الأطراف الفاعلة المحلية والدولية أن تأخذ التدخلات التالية بعين الاعتبار:

التحول من سياسة إصلاح قطاع الأمن (SSR) إلى تحقيق الاستقرار الأمني. لا شك في أن الهدف من وجود تدخل في قطاع الأمن يهدف إلى إدخال الإصلاحات. ومع ذلك، ففي بيئة تتسم بالفوضى السياسية وهي البيئة المحفوفة بالتحديات، ويرجح أن لا تستجيب لمحاولة إصلاح قطاع الأمن، فإن الاحتياجات الأمنية الأساسية والفورية لا يمكن أن تنتظر. استقرار الأمن مطلوب للحد من العنف وتعزيز السلامة العامة على المدى القريب. وللقيام بذلك، يجب تحييد جميع الأطراف السياسية الفاعلة بتسريح ونزع سلاح جميع المجموعات المسلحة، بما في ذلك SPLA. وبمجرد أن تصبح قوة الاستقرار الأمني متعددة الجنسيات (MSSF) جاهزة للعمل، يجب أن تكون الأولوية الفورية هي تسريح كافة الجماعات المسلحة. وستتولى MSSF المهمة الشاملة لتوفير الأمن.

نشر قوة الاستقرار الأمني متعددة الجنسيات (MSSF) لتوفير الأمن بشكل مؤقت. تحييد جميع الجهات المسلحة الفاعلة بما في ذلك الجيش الشعبي لتحرير السودان ينبغي أن يسبقه نشر MSSF لتوفير وإدارة الاحتياجات الأمنية للبلاد. يمكن أن تكون عملية تحويل قوة الحماية الإقليمية مصدرًا لتزويد MSSF بالأفراد. ويمكن جلب أعضاء إضافيين من عناصر بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان.

إجراء مراجعة للاستراتيجية الأمنية، والعمل على تسهيل وضع استراتيجية الأمن الوطني. ينبغي على الأطراف الوطنية الفاعلة مع الدعم الثنائي تفعيل الأحكام المتعلقة باتفاقية تسوية النزاع في جنوب السودان (ARCSS)، وتسهيل تطوير البنية الأمنية وإعداد استراتيجية الأمن الوطني لجنوب السودان على أن يكون محور عملها هو توفير الأمن البشري. حالما يتم القضاء على التهديدات الأمنية، ينبغي أن تهدف جهود الإصلاح إلى إنشاء قطاع أمن وطني شامل، ومهني، ومتمكن ويعمل بشفافية، وخاضع للمساءلة.

إنشاء لجنة للأمن الوطني الشامل. تكون هذه اللجنة مفوضة بالإشراف على تجنيد الجيش الوطني الجديد لجنوب السودان، وضمان أن يصبح الجيش هو الممثل للتنوع في البلاد على جميع المستويات، ومواصلة الرصد وإبلاغ الهيئة التشريعية عن التقدم الذي يتم إحرازه.

الخلاصة

نظرًا لأن الجهات الأمنية الحالية تتحمل اللوم عن الوضع الراهن، فيجب أن تشمل جهود الاستقرار تسريح وتفكيك البنية التحتية الأمنية القائمة والميليشيات. يجب بناء قوة مسلحة وطنية جديدة من الألف إلى الياء. هذه العملية ينبغي أن تشمل حــوارًا وطـــنيًّا حول استراتيجية الأمن ويجب أن تضمن وجود رقابة فعالة.

لدكتور ريمـيمبر ميامينغي باحث لدى مرصد جنوب السودان لحقوق الإنسان.

ملاحظات

  1. Organisation for Economic Co-Operation and Development, “Security System Reform and Governance,DAC Guidelines and Reference Series (Paris: OECD, 2005)
  2. UK Stabilisation Unit, “Security Sector Stabilisation,” Stabilisation Issues Note (March 2014), 5