تواجه البلدان الخارجة من الصراع تحديات عديدة تتعلق بإصلاح قطاعاتها الأمنية. بعض الدول تنجح في مواجهة هذه التحديات، وتتمكن من إصلاح قطاعها الأمني تدريجيًّا، وتحقق بالتالي السلام والاستقرار لشعوبها. وتفشل بلدان أخرى في القيام بذلك، الأمر الذي يساهم أحيانًا في تكرار الصراع. جنوب السودان من الفئة الثانية من البلدان. في أعقاب توقيع اتفاقية السلام الشامل (CPA) في عام ٢٠٠٥، فشلت الأطراف في الوفاء بالتزاماتها، التي تضمنت تقليص حجم جيوشها. لذلك ليس من المدهش أن الإخفاق في إجراء إصلاحات ذات مغزى في الجيش الشعبي لتحرير السودان في فترة ما بعد اتفاقية السلام الشامل كان له بعض التأثير على اندلاع الأزمة في ديسمبر ٢٠١٣.
تواجه البلدان الخارجة من الصراع تحديات عديدة تتعلق بإصلاح قطاعاتها الأمنية. بعض الدول تنجح في مواجهة هذه التحديات، وتتمكن من إصلاح قطاعها الأمني تدريجيًّا، وتحقق بالتالي السلام والاستقرار لشعوبها. وتفشل بلدان أخرى في القيام بذلك، الأمر الذي يساهم أحيانًا في تكرار الصراع. جنوب السودان من الفئة الثانية من البلدان. في أعقاب توقيع اتفاقية السلام الشامل (CPA) في عام ٢٠٠٥، فشلت الأطراف في الوفاء بالتزاماتها، التي تضمنت تقليص حجم جيوشها. لذلك ليس من المدهش أن الإخفاق في إجراء إصلاحات ذات مغزى في الجيش الشعبي لتحرير السودان في فترة ما بعد اتفاقية السلام الشامل كان له بعض التأثير على اندلاع الأزمة في ديسمبر ٢٠١٣.
حالة قطاع الأمن وضرورة الإصلاح
في جنوب السودان، تشتمل مكونات قطاع الأمن الموحد على:
- الجيش الشعبي لتحرير السودان (SPLA) (جيش جنوب السودان)
- جهاز الأمن الوطني (NSS) (مؤسسة الاستخبارات)
- جهاز الشرطة الوطنية لجنوب السودان (SSNPS)
- مصلحة السجون الوطنية في جنوب السودان (NPSSS)
- هيئة الحياة البرية الوطنية بجنوب السودان (SSNWS)
- إدارة الدفاع المدني الوطنية في جنوب السودان (SSCDS) أو فرقة الإطفاء (وجميعهم مسلحون)
وقد اتهمت مجموعات حقوق الإنسان المحلية والدولية جميع مكونات القطاع الأمني، والمليشيا التابعة للجيش الشعبي لتحرير السودان، والمتمردين بارتكاب جرائم وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان أثناء النزاع. وتشمل الانتهاكات والجرائم المرتكبة استخدام الاغتصاب كسلاح في الحرب، وقتل الأبرياء بسبب العرق، وتجنيد الأطفال، والتشريد القسري للسكان وأعمال النهب. كما أن القادة السياسيين وكبار القادة العسكريين في الجيش الشعبي لتحرير السودان –الذي اكتسب سمعة جيش قبلي تهيمن عليه قبيلة الدينكا العرقية– متهمون بالاستيلاء على الأراضي والتطهير العرقي.
إحدى السمات الثابتة للجيش الشعبي لتحرير السودان هي علاقته الوثيقة بالحركة الشعبية لتحرير السودان التي كان الجيش جناحها العسكري أثناء حرب التحرير. واليوم، يقودها بعض الضباط الذين يعملون في مجال السياسة، بينما يميل السياسيون إلى الحفاظ على الميليشيات الموالية لهم. إن العلاقة بين الجيش الشعبي لتحرير السودان وحزب الحركة الشعبية لتحرير السودان عميقة وهيكلية، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى كون رئيس جنوب السودان هو القائد الأعلى للجيش ورئيس حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان. علاوة على ذلك، ينشط العديد من الضباط سياسيًّا. ويميل السياسيون إلى امتلاك ميليشياتهم الخاصة أو الموالية لهم من أقسام الجيش. وقد أدى هذا إلى عسكرة الحياة العامة والسياسية في السودان وكانت له نتائج مميتة.
انبثقت القوات النظامية الأخرى –الشرطة، والحياة البرية، وفرق الإطفاء، إضافة إلى جهاز الأمن الوطني– على مر السنين وبشكل كبير عن الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي أصبح بالنسبة للبعض يعرف بـ “بمكب النفايات”، ولهذا السبب، تعاني هذه القوات من المشاكل البنيوية والإدارية والتنظيمية نفسها التي يعاني منها الجيش الشعبي لتحرير السودان. وكما يوضح الصراع الحالي، فإن الفصل بين الجيش الشعبي لتحرير السودان والقوات النظامية الأخرى يبقى بالاسم فقط. وقد قاتل أفراد من فرقة الإطفاء والحياة البرية إلى جانب الجيش الشعبي لتحرير السودان.
في حين أن جهاز الشرطة الوطنية لجنوب السودان متهم بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك اعتقال الأبرياء والنهب والفساد، يُعرف جهاز الأمن الوطني بكونه “الشرطة السياسية” للرئيس. وقد ارتبطت باضطهاد وسائل الإعلام، والمجتمع المدني، والأكاديميين، وكذلك الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري. بالإضافة إلى ذلك، يُنسب لجهاز الأمن الوطني مشاركته في عمليات تسليم غير قانونية لمعارضين للنظام من الدول المجاورة. كما أصبحت مؤسسة الاستخبارات “جيشًا موازيًا” مجهزًا بالدبابات وقطع المدفعية الثقيلة والعديد من قاذفات الصواريخ. كما اتهمت منظمات القطاع الأمني الثلاث المتبقية بأفعال غير مهنية مختلفة في مجالات عملها.
إن السلوك غير المهني المتفشي للأفراد النظاميين مسؤول جزئيًا عن الحملة داخل العديد من المجتمعات في جنوب السودان للحصول على أسلحة صغيرة ورشاشات خفيفة لحمايتهم. وذكرت التقارير أنه تم الحصول على بعض هذه الأسلحة من أفراد قوات الأمن. تعمل هذه الأسلحة على إشعال الصراعات بين المجتمعات، بما في ذلك سرقة الماشية والانتقام بقتل الأبرياء. وباختصار، فإن إصلاح قطاع الأمن سيبدأ من أدنى مستويات القاعدة ويحتاج إلى اهتمام فوري من أجل استعادة الأوضاع الطبيعية والاستقرار في جنوب السودان.
التوصيات
تتطلب التوصيات التالية الاهتمام من الإصلاحيين في جنوب السودان.
إجراء مراجعة استراتيجية شاملة لقطاع الأمن. لم يقم أي من أجهزة الأمن الستة بإجراء هذا النوع من المراجعة. إن مراجعة القطاع الدفاعي الاستراتيجي (SDSR) المكلفة بناءً على ARCSS تتعلق فقط بعنصر الدفاع في الأمن الوطني. في بداية النزاع المسلح في كانون الأول ٢٠١٣، تم تقدير ميزانية الجيش الشعبي لتحرير السودان عند ٥٠ في المئة من النفقات الوطنية، تم تخصيص ٨٠ في المئة منها للرواتب. أحد الأهداف الرئيسية للمراجعة الاستراتيجية هو تحديد قوام القوة لمواءمة ذلك مع الموارد والتهديدات الأمنية تحت مسؤولية كل كيان. ومن شأن إضفاء الصفة الشرعية على الجيش الشعبي لتحرير السودان أن يحرر الموارد ليتم تخصيصها لمكونات أمنية أخرى أو للخدمات الاجتماعية.
يجب أن تتم مراجعة جميع الجهات الفاعلة في قطاع الأمن بالتزامن. ومع ذلك، هناك مجال لدمج مراجعة الجيش الشعبي لتحرير السودان مع مراجعة فرقة الإطفاء والحياة البرية لأن هذه الأجهزة سيئة المنشأ وغالبًا ما يتم استدعاء أعضائها إلى أدوار قتالية داخل الجيش الشعبي لتحرير السودان. ولضمان مراجعة عالية الجودة ومتوازنة، يعد الدعم التقني والمالي الدولي لهذه العملية أمرًا بالغ الأهمية. علاوة على ذلك، يجب إيلاء الاهتمام لتنفيذ التوصيات الصادرة عن المراجعة. قد يبدو هذا واضحًا، ومع ذلك، في الماضي، لم يتم تنفيذ إجراءات الإصلاح المتفق عليها على أعلى المستويات في كثير من الأحيان. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك قوة الهدف لعام ٢٠١٧ وبرنامج التحول ٢٠١٢-٢٠١٧، الذي سعى إلى تحويل وتطوير الجيش الشعبي لتحرير السودان في إطار زمني مدته خمس سنوات.
الدعوة لعقد مؤتمر وطني لإضفاء الطابع المهني على مؤسسات القطاع الأمني الست. ينبغي أن يحضر المؤتمر الوطني المقترح، على سبيل المثال لا الحصر، ممثلو الأحزاب السياسية ومجموعات المجتمع المدني. أحد الأهداف الرئيسية للمؤتمر هو الحصول على إجماع بين الزعماء السياسيين والعسكريين إضافة إلى الجمهور لإضفاء الطابع المهني على جميع المؤسسات الأمنية. إضفاء الطابع المهني يستوجب قطع العلاقات القائمة بين قطاعات الطبقة السياسية ومكونات قطاع الأمن. ومن شأن ذلك أن ييسر تجريد الحياة العامة من السلاح وإنشاء آليات فعالة للمراقبة المدنية والمساءلة. وتهدف هذه البرامج إلى جعل المؤسسات الأمنية مستقلة عن الطبقة الحاكمة. إن إرساء إشراف مدني فعال على قوات الأمن أمر أساسي لمهنيتهم.
يجب أن تكون فرقة ضباط الأمن منضبطة ومهنية بدرجة عالية وعلى أهبة الاستعداد لتنفيذ رغبات أي مجموعة مدنية لتأمين السلطة الشرعية داخل الدولة. يجب أن تكون المؤسسات محايدة سياسيًا ومعترفًا بها من قبل جميع الفئات الاجتماعية في المجتمع. يجب على الحكومة والطبقة السياسية ككل تعزيز المهنية لجميع المؤسسات الأمنية الست بحيث تعمل بشكل مستقل وتقوم بتأسيس موقف سياسي. في المقابل، يجب على الحكومة والفاعلين السياسيين الالتزام بالتشديد –بدعم من العقوبات الجنائية وغيرها– على عدم التدخل في قطاع الأمن بهدف خدمة المصالح الحزبية. كما يجب تأسيس المعايير لتحقيق هذه الغايات.
إعادة دمج المتحاربين في المؤسسات الأمنية. من المعترف به أن الحرب الأهلية في جنوب السودان قد خفضت منظمات الأمن الوطني إلى قوى عرقية. من جانبهم، تم تجنيد مجموعات المتمردين إلى حد كبير على أسس عرقية. يجب تنفيذ عملية نزع سلاح وتسريح وإعادة الإدماج (DDR) الفائض من المقاتلين كجزء من برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR) المشترك الذي ينفذ أهداف SDSR. كما يجب على صناع السياسة أن يستفيدوا من البرامج الفاشلة لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في الماضي –برامج ما بعد اتفاق السلام الشامل وبرنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج لعام ٢٠١٢– التي فشلت بسبب الافتقار إلى الإرادة السياسية. يرجع التردد في نزع السلاح والتسريح خلال فترة ما بعد اتفاقية السلام الشامل مباشرة جزئيًّا إلى الخوف من هجوم من السودان لقلب أو تعطيل عملية الانتقال.
فيما يتعلق بالمعايير، يجب على هذه الإصلاحات أن:
- فيما يتعلق بالمعايير، يجب على هذه الإصلاحات أن
- تتكفل جميع الأجهزة الأمنية بمتطلب تجنيد جميع المجموعات العرقية على أساس عادل، بما في ذلك النظر في المحاصصة العرقية
- تعمل على إنشاء التدريب كواحد من الأولويات العليا في أجندة الإصلاح
التركيز على التطوير المؤسساتي في القطاع الأمني. ويشمل ذلك التدريب المستمر للأفراد في تطوير الموارد الموحدة والبشرية للعنصر المدني. يجب أن يركز الجيش الشعبي لتحرير السودان على إعداد القدرة الدفاعية والتنفيذ الفعال للعمليات العسكرية. إعداد القدرة الدفاعية يشمل: توظيف الأشخاص المناسبين وتدريب الأفراد والوحدات الجماعية؛ وطلب المعدات العسكرية واستلامها وتشغيلها وصيانتها؛ وإنشاء قنوات للمعلومات والاتصالات؛ ووضع وتطبيق التعاليم التشغيلية. ويعني تنفيذ العمليات العسكرية الاعتماد على هذه المجموعة من المهام.
يجب أن تكون الوظيفة المركزية لوزارة الدفاع هي وضع السياسة الدفاعية ومراقبتها ومراجعتها.۱ من خلال وضع وتنفيذ سياسة الدفاع، يمكن أن تكون وزارة الدفاع هي مؤسسة التمكين المركزية لتوفير التوجيه السياسي بشأن مسائل الدفاع. لا توجد في الوقت الحالي استراتيجية أمنية وطنية لجنوب السودان، ما يجعل من الصعب على أي منظمة أمنية وضع سياسة واضحة. وقد حدد الكتاب الأبيض للجيش الشعبي لتحرير السودان بخصوص الدفاع في حزيران ٢٠٠٨، الذي لم يتم نشره على الإطلاق، أهدافًا واسعة يجب أن تحققها وزارة دفاع جنوب السودان خلال الفترة الانتقالية (٢٠٠٥-٢٠١١). كما يجب على وزارة شؤون مجلس الوزراء أن تأخذ زمام المبادرة في تطوير استراتيجية الأمن الوطني لجنوب السودان لضمان شموليتها جميع التحديات الأمنية في البلاد. وبالإضافة إلى استراتيجية الأمن الوطني، يجب تطوير سياسات القطاعات التي تحدد طرق ووسائل تحقيق الأهداف المحددة.
تعزيز الرقابة على المنظمات الأمنية. هناك حاجة للرقابة من أجل الحد من إساءة استخدام مكاتب الأمن. هنالك من يزعم بأن آليات الرقابة منصوص عليها في دستور جنوب السودان وقوانين القطاعات المتعلقة بكل منظمة. وبشكل أكثر شمولية، هناك نوعان من أنظمة الرقابة. نظم الرقابة الداخلية في قطاع الأمن، وتشمل على سبيل المثال، المفتش العام للجيش، وقسم التدقيق الداخلي. وآليات الرقابة الخارجية وتشمل البرلمان والقضاء.
يجب تمكين اللجان البرلمانية من التدقيق في الميزانيات والسياسات والعمليات. أثناء أداء واجباتها، ينبغي أن تكون قادرة على الوصول إلى المعلومات السرية غير المتاحة للجمهور. ينبغي تمكين المجتمع المدني من محاسبة قطاع الأمن. وقد تؤدي المشاركة المدنية إلى تعزيز المصداقية للعملية وجعل القرارات أكثر شرعية من الناحية السياسية والاجتماعية، وتوليد شعور بالملكية بين أصحاب المصلحة. حاليًّا، بعض آليات الرقابة القائمة المدرجة ضعيفة للغاية وسوف تحتاج للمراجعة والتعزيز.
الخلاصة
في الماضي، كانت الإصلاحات في قطاع الأمن محكومًا عليها بالافتقار إلى الإرادة السياسية. إحدى نتائج هذا الفشل هي أن هذا القطاع لا يزال إحدى القوى الرئيسية التي تزعزع الاستقرار في البلاد. يمكن أن تساهم المقترحات المقدمة في هذه المراجعة في إنشاء قطاع أمني فعال قادر على تحمل المسؤولية بفاعلية. ومع ذلك، من غير المرجح أن تترسخ الإصلاحات في البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية السائدة. إن الإصلاحات المؤسساتية الأوسع ضرورية لبناء الأساس لسيادة القانون وتعزيزه إلى جانب المؤسسات الديمقراطية. إن إجراء إصلاحات إضافية للحد من سلطات الفروع السياسية (التنفيذية والتشريعية) وتقييدها، وتمكين المحيط الخارجي، وتوسيع حماية حقوق الإنسان، وتسهيل التعبير الديمقراطي هي أمور ضرورية مثلها مثل الحاجة إلى مكافحة الثقافة الراسخة في الإفلات من العقاب.
اللفتنانت جنرال (المتقاعد) كول ديم كول كان ليفتنانت جنرال نشطًا في الجيش الشعبي لتحرير السودان حتى عام ٢٠١٣. قاد حملة جونغلي لنزع السلاح التي أطلقها الرئيس كير في عام ٢٠١٢.
ملاحظات
- ⇑ Laura R. Cleary and Teri McConville, eds., Managing Defence in a Democracy (Oxford: Routledge, 2000)
More on: South Sudan