لا يزال التطرف العنيف يشكل واحدًا من أهم التحديات للسلم والأمن في منطقة الساحل. وقد أظهرت الجماعات الإسلامية المسلحة قدرة كبيرة على التحمل رغم هزيمتها العسكرية في شمال مالي عام ٢٠١٣ بعد نشر قوات عملية سيرفال (المسماة حاليًا عملية برخان) بقيادة فرنسا. وفي واقع الأمر فقد عززت المجموعات المتطرفة العنيفة في منطقة الساحل والمتمركزة حاليًا في وسط مالي وشمال شرق بوركينا فاسو وغرب النيجر قدراتها من حيث العدد والحجم والقدرة على الفتك.
وتغيب موريتانيا إلى حد كبير عن هذا المشهد. وتُعدّ قصة تحول موريتانيا من الحلقة الأضعف في هذه المنطقة المشحونة بالأزمات إلى واحدة من الحلقات الأكثر صلابة أمرًا ملهمًا. فقد كان ذلك البلد أول من تعرض للهجمات الإرهابية في منطقة الساحل عام ٢٠٠٥. ولكن، منذ عام ٢٠١١ تجنبت موريتانيا التهديدات الآخذة في الانتشار والتنوع التي تفرضها المجموعات الإسلامية المسلحة. وتتميز تلك التهديدات الأمنية في منطقة الساحل بمستويات من المصالح المتداخلة والشاملة على الأصعدة المحلية والوطنية والإقليمية، ما يجعل النموذج الموريتاني غنيًّا بالمعلومات. ومن الجدير ذكره أن الحكومة استطاعت استعادة سلطتها وسيطرتها على المناطق الحدودية، التي طالما استغلتها المجموعات الإسلامية المسلحة لصالحها في منطقة الساحل.
في مرمى الإرهاب
وبسبب الضغط المتزايد للأجهزة الأمنية الجزائرية، وجد المتطرفون الجزائريون ملاذًا لهم في الأماكن ذات الكثافة السكانية القليلة الواقعة جنوب الجزائر في منطقة الساحل في العقد الأول من القرن الحالي. وسعيًا منهم لترسيخ تواجدهم من خلال الصراع المسلح المستمر، قام عناصر الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية (GSPC) بالهجوم على ثكنة عسكرية في لمغيطي بموريتانيا بالقرب من الحدود مع مالي والجزائر بتاريخ ٤ يونيو/ حزيران ٢٠٠٥، ما أودى بحياة ١٥ جنديًا موريتانيًا. وخلال ما تبقى من ذلك العقد، واجهت موريتانيا المزيد من أعمال الإرهاب، ما جعلها بقعة ساخنة لاختطاف المواطنين الغربيين في منطقة الساحل. وظهرت موريتانيا كهدفٍ سهلٍ للجماعة السلفية للدعوة والقتال لتقوم بالاختراق والتجنيد والعمل ضمن المساحات الكبيرة التي تفتقر لسلطة الدولة الكاملة؛ حيث توفرت كل المعطيات: بلد مُعدم أرهقته السياسات الهشة والانقسامات العسكرية والتوترات القبلية-العرقية وافتقار متصاعد للأمن الاقتصادي ومستويات مرتفعة من البطالة.
كما شكل الموريتانيون عددًا غير متكافئ من الأيديولوجيين المتطرفين العنيفين والنشطاء الإرهابيين ذوي الرتب العليا. وكان الموريتانيون مؤثرين ومتواجدين بكثرة في فرع الصحراء التابع للجماعة السلفية للدعوة والقتال، والتي سميت لاحقًا القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (AQIM) في عام ٢٠٠٧. وبالفعل، شكل الموريتانيون ثاني أكبر مصدر للمقاتلين والإيديولوجيين للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بعد الجزائريين. وبرز التهديد الإرهابي المرعب الذي تشكله القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على البلاد بعد هجوم عام ٢٠٠٨ على بلدة تورين الصحراوية النائية في شمال موريتانيا وأسفر عن خطف ١٢ جنديًا وقطع رؤوسهم.
وقد أعادت مجزرة الجنود هذه إلى الأذهان الذكريات المريرة لحرب الصحراء الغربية (١٩٧٥-١٩٧٨) حين وجهت عصابات البوليساريو المدعومة من الجزائر صفعة إلى الجيش الموريتاني الضعيف وسيئ التجهيز، ما كاد يعرض سيادة موريتانيا للخطر. وبعد ثلاثة عقود كشفت القدرة الفائقة على الحركة التي تتميز بها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عن الضعف المتواصل للقوات المسلحة الموريتانية. وخلافًا للصراع الوجودي الأول الذي انتهى بمجرد قيام موريتانيا بالتقليل من خسائرها والانسحاب من النصف الجنوبي للصحراء الغربية، إلا أن وصول المجموعات الإسلامية المسلحة في بداية العقد الأول من القرن الحالي وضع البلاد أمام مجموعة جديدة من الظروف. وفي حين أنه لا ينبغي إهمال فرص الحوار عندما يتاح ذلك، فإن ذلك كان أمرًا بعيد الاحتمال بسبب ضعف القوة التفاوضية لموريتانيا. وكانت احتمالات التفوق في ساحة المعركة أو في تسوية ما معدومة ما لم تتمكن الحكومة من التصدي للتيار الانفصالي.
“أكثر ما كان يحتاجه الجيش الموريتاني هو إصلاحات هيكلية وبرنامج تحديث”.
لكن التفوق على الانفصاليين كان يتطلب استثمارات كبيرة في تحديث الجيش. ولم يكن من الممكن أن تطمح موريتانيا في أن تضاهي القدرات العسكرية لجيرانها الأقوياء في الجزائر والمغرب من حيث الحجم والترسانة المتطورة. ولم تكن مضطرة لفعل ذلك. فلم تكن متطلبات حرب الصحراء غير المتكافئة تستدعي الحصول على أسلحة متطورة كان من الممكن أن تكون باهظة التكاليف من حيث أسعارها وصيانتها. وأكثر ما كان يحتاجه الجيش الموريتاني هو الإصلاحات الهيكلية وبرنامج تحديث تم تعديله ليتوافق مع الوقائع الجديدة لحرب غير تقليدية.
تجديد الجيش
أدت مذبحة تورين إلى قرع ناقوس الخطر لدى المستويات العليا في الجيش. فقد كشف الهجوم عن جيش يعاني من الأجور الزهيدة وسوء التسليح وتدني الروح المعنوية. وفي ظل هذه الظروف المضطربة، وصل الجنرال محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة إثر انقلاب عسكري في عام ٢٠٠٨. وقد أطلق عبد العزيز (الذي تولى الرئاسة من ٢٠٠٩ إلى ٢٠١٩) ووزير دفاعه والرئيس الحالي الجنرال محمد ولد غزواني الإصلاحات العسكرية الأهم والأكبر في تاريخ موريتانيا مستغلين بذلك بيئة اقتصادية مواتية تميزت بازدهار قطاع المناجم والتعدين.
بدأت عملية تجديد الجيش بإجراءات رمزية وجوهرية لتعزيز بنيته التحتية القتالية وجودة حياة الجنود. وعالجت الإجراءات الرمزية الأولى المنشآت الفارغة والمعنويات المنخفضة من خلال ترميم ثكنات الجنود وتوفير الزي الرسمي إضافة إلى علاوات وتعويضات مالية شاملة لكافة أفراد الجيش. ومن الناحية الجوهرية، بدأت عملية تحديث الجيش تتحقق من خلال زيادات كبيرة للموازنة العسكرية، ما سمح بتسريع التدريب العسكري وشراء سلاح وعتاد جديد ورفع قدرات القوات الخاصة. وعلاوة على تعزيز الموازنة العسكرية، التي تضاعفت أربع مرات من عام ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٨ (لتصل إلى ١٦٠ مليون دولار أمريكي)، كانت الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بأولويات الحيازة والمشتريات العسكرية أمرًا لا يمكن الاستغناء عنه.
وفضلت موريتانيا القيام بإصلاحات هيكلية والحصول على معدات تناسب احتياجاتها بدلاً من شراء معدات عسكرية باهظة الثمن لا تستطيع تحمل تكاليفها. ولتعزيز قدرات قواتها الجوية، اختار المسؤولون طائرات سوبر توكانو إي أم بي-٣١٤ العسكرية الخفيفة البرازيلية والمصممة للطيران في أجواء عالية الحرارة والرطوبة وفوق تضاريس وعرة كالصحراء الموريتانية. وفي الوقت ذاته، اشترت البحرية سفنًا جديدة ومجددة من إسبانيا والصين والاتحاد الأوروبي لمراقبة شواطئها الممتدة على طول ٧٥٤ كيلومترًا ومنع تهريب المخدرات والسجائر. أما بالنسبة لقوات موريتانيا البرية، فقد تم تجهيزها بشاحنات صغيرة (بيكاب) ومعدات تحديد المواقع.
كما استثمرت الحكومة في التعليم العسكري المهني الذي عاني من الركود لفترة طويلة. وكانت المعاهد التعليمية الدفاعية بحاجة للتعديل لكي تخرّج ضباطًا وقادة قادرين على التصدي للتهديدات غير المتكافئة. وبهذا الخصوص، دخلت موريتانيا في شراكات ثنائية ومتعددة الجهات لتعزيز التعليم العسكري في مجالي العمليات والشؤون الأكاديمية. وتحديدًا، قدمت فرنسا الدعم في طرق اتخاذ القرارات التنفيذية وأساليب الكوماندوز، كما قدمت الولايات المتحدة مساعدة أمنية هامة لموريتانيا لكونها عضوًا في الشراكة لمكافحة الإرهاب عبر الصحراء الكبرى. وفي عام ٢٠١٢، قدمت موريتانيا التماسًا للمشاركة في برنامج تعزيز التعليم الدفاعي (DEEP) التابع لحلف الناتو لدعم التحول في التعليم العسكري المهني في البلاد. وفي عام ٢٠١٨، جاء اختيار الشركاء الإقليميين نواكشوط كموقع لكلية الدفاع لمجموعة الساحل (G5) اعترافًا جزئيًّا بالتحسينات الملحوظة التي حققتها موريتانيا في مجال التعليم العسكري والتسليح والجاهزية.
التأقلم مع ساحة المعركة
كما أن موريتانيا كانت تحتاج أيضًا إلى إعادة التفكير في العقائد العسكرية والعمليات بشكل جذري. وتطلب النجاح في مكافحة الإرهاب تحولاً في هيكلية القوات المسلحة الموريتانية التي كانت بطيئة جدًا وغير عملية، وتتبع تكتيكات عفا عليها الزمن. ولم تكن البنية التنظيمية التقليدية للوحدات مناسبة إطلاقًا للتعامل مع المجموعات الإسلامية المسلحة الأصغر حجمًا والأسرع في تنظيم المجرمين الذين يجوبون الصحراء.
وقد أوكلت مهمة تطوير استراتيجية ناجحة لمكافحة الإرهاب إلى غزواني الذي تولى قيادة المجلس الأعلى للدفاع الوطني في عام ٢٠٠٩. أولاً، شرعت موريتانيا بإنشاء ثماني مجموعات تدخل خاصة (GSI)، وهي فِرق من وحدات صغيرة صممت لتكون متنوعةً من حيث طريقة التفكير والتنفيذ. ولتعزيز تماسك المجموعة ودافعيتها، تتألف كل وحدة كوماندوز من ٢٠٠ رجل تقريبًا ممن خدموا معًا لعدة سنوات. ومن الجدير ذكره أن هذه الفرق القتالية مجهزة بشكل جيد بالعربات والإمدادات وخاصة الوقود والماء والذخيرة للقيام بعمليات مستقلة ومستدامة لمكافحة الإرهاب تستمر عدة أيام في عمق الصحراء. ومنذ ٢٠١٥، أصبحت قاعدة لمرية الحديثة البناء مقرًا للقيادة ومركزًا للعمليات لمجموعات التدخل الخاصة. وقد ساهم موقع لمرية الاستراتيجي داخل مثلث يتوسط موريتانيا ومالي والجزائر في إحداث تغيير جذري لتلك المنطقة الصحراوية التي كانت في يوم من الأيام قاعدة خلفية للمجموعات الإسلامية المسلحة والمهربين. وفي عام ٢٠٠٨، أعلنت معظم هذه المنطقة الحدودية القليلة السكان كمنطقة عسكرية تقوم فيها وحدات التدخل الخاصة بإلقاء القبض بشكل ممنهج على أي شخص يتنقل فيها.
وقد كان تعزيز الإسناد الجوي ولا يزال مهمًا لهذه العمليات الأرضية حتى وإن كان التنسيق بدائيًا. فطيارو موريتانيا لا يتمتعون بالقدرات المتقدمة -التي يمتلكها جيرانهم طيارو الجزائر أو المغرب- والتي تمكنهم من تقديم الدعم الجوي والمراقبة والاستطلاع عن قرب. وبالرغم من ذلك، ومنذ عام ٢٠١١ أصبح لدى القوات الجوية الموريتانية -المدعومة بطائرات الاستطلاع سيسنا التي تبرعت بها الولايات المتحدة والمسلحة بطائرات سوبر توكانو البرازيلية والحوامات الصينية الهجومية- القدرة الكافية على كشف العربات المشبوهة وتوجيه وحدات التدخل الخاصة على الأرض. وبالفعل، أظهرت الطائرات الموريتانية في عام ٢٠١١ القدرة على ضرب مواقع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في غابة واغادو على الحدود مع مالي.
“[فرقة الهجانة] توفر ميزتين من خلال دمج نشاطات جمع المعلومات الاستخباراتية مع تطوير البنى التحتية”.
كما لعبت الاستخبارات دورًا حيويًا في عمليات مكافحة الإرهاب، وقد شهدت أجهزة الاستخبارات زيادة في موازنتها وتوسعًا في قدراتها في ظل إدارة عبد العزيز. فقد عانت أجهزة الاستخبارات لسنوات عديدة من التدريب غير اللائق والمعدات السيئة، وتركزت الكثير من مهماتها على استهداف المعارضين والمنافسين السياسيين. وأصبح من الواضح وجود حاجة لتجديد الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في موريتانيا بعد العديد من الإخفاقات المتعاقبة في كشف الهجمات الإرهابية ومنعها. وبالتالي، تم توجيه الجهود لتطوير شبكات الاستخبارات البشرية الميدانية والقدرات الفنية على حد سواء. وتمتد هذه الإجراءات من إعادة تنشيط وتفعيل الإمكانيات والأصول الأساسية الموجودة كفرقة الهجانة في الجيش الموريتاني -وهي الوحدات التي تتنقل على ظهور الجمال ومخصصة للعمل في المناطق النائية من الصحراء- إلى اقتناء رادارات المراقبة الحديثة.
بالنسبة للمسؤولين الموريتانيين، توفر فرقة الهجانة ميزتين من خلال دمج نشاطات جمع المعلومات الاستخباراتية مع تطوير البنى التحتية. وفي هذا الصدد قال قائد فرقة الهجانة، العقيد عبد الرحمن الخليل: “حيثما لا تمتلك الدولة أي بنى تحتية في المناطق النائية والمعزولة، نأتِ للمساعدة في مجالات النظافة العامة والتعليم“. وبمعنى آخر، فإن فرقة الهجانة تساعد في تحسين ظروف معيشة السكان لترسيخ الولاء للحكومة، ما يساهم في جمع المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بأي تحركات مشبوهة للمهربين أو المجموعات المسلحة.
وقد أصبحت هذه الاستراتيجية لإشراك المجتمع المحلي في المناطق الصحراوية النائية عنصرًا حيويًا في نهج مكافحة الإرهاب الذي تبنته الحكومة الموريتانية. وبهدف تحسين الأمن وتقديم الخدمات العامة، أسست الحكومة مدنًا جديدة صغيرة في المناطق الريفية النائية التي قد تكون عرضةً لاختراقات الجماعات الإسلامية بهدف تركيز السكان المتناثرين والمتفرقين في المناطق الريفية ضمن تجمعات سكانية أكبر. وقد عملت مدن مثل انبيكت لحواش في شرق موريتانيا على إعادة تجميع العائلات حسب احتياجاتهم الاجتماعية والاقتصادية. ولا تهدف هذه الخطوة إلى التخلي عن الحياة البدوية -حيث ما زال الرجال يعيشون في محيطهم شبه البدوي مع قطعانهم بينما تستقر العائلات في مكان واحد مستفيدة من خدمات التعليم ووسائل الراحة الأساسية- وإنما تهدف إلى خلق بؤرٍ وأماكن يمكن الدفاع عنها في المناطق المحاذية للحدود مع مالي. وفي المناطق المعرضة للخطر حيث تتواجد التجمعات السكانية، فإن السياسة كانت تحسين الأمن والظروف المعيشية للسكان لإبقائهم حيث هم.
الحوار مع المتطرفين
بالتوازي مع هذه الجهود في دعم قدرة الدولة القسرية واستراتيجية التطوير، تم اتباع سياسة التواصل مع العناصر المتطرفة. واليوم، بدأت فكرة الحوار مع المجموعات المتطرفة العنيفة تكتسب المصداقية في بعض دول منطقة الساحل. وفي موريتانيا، اتبع النظام استراتيجية مزدوجة تستند إلى تدعيم موقفها الدفاعي الرادع، في الوقت الذي تبقي على نافذة الحوار مفتوحة مع المتطرفين. وقد عزز الجزء الثاني من هذه الاستراتيجية الشكوك بأن النظام قد توصل إلى اتفاق عدم اعتداء متبادل مع المجموعات المتطرفة العنيفة، وهو الاتهام نفسه الذي تم توجيهه في وقت ما للرئيس المالي السابق أمادو توماني توري، الذي أطيح به في انقلاب عسكري في مارس/ آذار ٢٠١٢.
“إن حقيقة عدم تعرض موريتانيا لعمليات إرهابية منذ عام ٢٠١١ … تعزز الشكوك باحتمال وجود اتفاق عدم اعتداء”.
ويشير أنصار هذه الفرضية إلى الوثائق التي تمت مصادرتها عام ٢٠١١ عند مقتل أسامة بن لادن والتي أشارت إلى محاولات التقارب بين الحكومة الموريتانية والقاعدة في عام ٢٠١٠. وكدليل على تلك الفرضية، فإنهم يسلطون الضوء أيضًا على إطلاق موريتانيا سراح سندا ولد بو عمامة في عام ٢٠١٥ وهو الناطق الرسمي السابق باسم جماعة أنصار الدين المرتبطة بالقاعدة والذي كان محتجزًا بموجب أمر اعتقال دولي، إضافة إلى قرار الدولة الإسلامية المثير للفضول في عام ٢٠١٥ الذي ينص على عدم إدراج موريتانيا في ولاية غرب أفريقيا. إن حقيقة عدم تعرض موريتانيا لعمليات إرهابية منذ ٢٠١١ وتفادي جيشها مهاجمة المتطرفين بشكل عام تعزز الشكوك باحتمال وجود اتفاق عدم اعتداء بين الطرفين.
يبرر الموريتانيون موقفهم بكونه ضرورة دفاعية. فها هي الجزائر التي تمتلك جيشًا هو الأكبر والأفضل تجهيزًا في المنطقة قد اتبعت استراتيجية مماثلة تقضي بإحجام الجيش عن الاشتباكات مع عناصر مسلحة خارج أراضيها، في الوقت الذي تصدر فيه العفو عن المتطرفين العنيفين وتحاورهم. ويؤكد بعض المراقبين أن أحد أسباب النجاحات الأمنية لموريتانيا قد يكمن في قنوات التواصل والاتصال المفتوحة مع المجموعات المسلحة والمهربين. ويرى آخرون أن هذا التوجه يفتقر لبُعد النظر ويقوض الجهود الإقليمية للتعامل مع المجموعات المتطرفة العنيفة العابرة للحدود. وكعضو في تحالف دول الساحل الخمس (G5)، تخضع تعهدات النوايا الحسنة لموريتانيا أحيانًا لمساءلة شركائها، الذين يعيبون على نواكشوط عدم الوفاء بالتزامها بتوفير كتيبة للقوة المشتركة.
الاستمرار في المعركة
يكشف تحول الوضع الأمني في موريتانيا أن الدول الهشة يمكن أن تكون قادرة على الصمود والتأقلم عندما تواجه مجموعات متطرفة عنيفة. فخلال معظم سنوات العقد الأول من القرن الحالي كانت موريتانيا المحاصرة تتعثر في وجه التحديات السياسية والاقتصادية. ومنذ عام ٢٠١١، انتقل جيش موريتانيا من كونه على وشك الهزيمة على يد الجماعات المتطرفة العنيفة إلى إضعاف شوكة تلك الجماعات، وذلك بفضل الإصلاحات الهيكلية، والمشتريات الاستراتيجية، والتدريب والتعليم العسكري، والنهج المتمحور حول مصلحة السكان، ووضع قدرة الجيش على الحركة وبناء قدرات القوات الخاصة على رأس الأولويات.
لقد قامت الحكومة الموريتانيا باستثمارات استراتيجية لتحسين البنى التحتية في المناطق الحدودية، ووضعت على رأس سُلم أولوياتها قدرة الحكومة على ضمان تواجدها في مناطق لطالما اعتُبرت نائية وصعبة الوصول. وساهمت الإصلاحات الإضافية لأجهزة الأمن الموريتانية بشكل فعال في إعادة تنظيم القوات المسلحة وتوفير معدات حديثة، وتدريب استراتيجي، إضافة إلى تحسين الرواتب والظروف المعيشية للجنود الموريتانيين.
“في الوقت الذي تبقى فيه موريتانيا تحت حكم رجل عسكري قوي، فإن الإصلاحات التي اضطلعت بها لم تكن من مهام نظامها السياسي المغلق”.
في الوقت الذي تبقى فيه موريتانيا تحت حكم رجل عسكري قوي، فإن الإصلاحات التي اضطلعت بها لم تكن من مهام نظامها السياسي المغلق. بل إن هذه التغيرات توفر دروسًا في هذا المجال للحكومات الأخرى التي تواجه المجموعات المسلحة في منطقة الساحل. وحتى منتقدو الحكومة الموريتانية في الداخل أقروا بالمكاسب الهامة التي تم إحرازها في موريتانيا.
ومع ذلك، فإن النجاح الشامل الذي حققته موريتانيا لا يعني أنها تجاوزت دائرة الخطر بعد، فالمكاسب الأمنية هشة ويمكن أن تتراجع. والمحافظة عليها تتطلب تحسين الإدارة السياسية، والاقتصادية، والأمنية إضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمي. وستبقى الجهود المستمرة التي تبذلها الإدارة الحالية لتعزيز تماسك الجيش، وسلطة الأمن، وإدارة الموارد البشرية والمادية للجيش أمرًا حاسمًا لنجاح موريتانيا المستمر ضد التهديدات الإرهابية.
مصادر أضافية
- بولين لو رو، "Responding to the Rise in Violent Extremism in the Sahel".الإيجاز الأمني حول أفريقيا، رقم ٣٦، المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، ٢٠١٩.
- المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، "The Complex and Growing Threat of Militant Islamist Groups in the Sahel"، إنفوغرافيك، ١٥ فبراير/ شباط، ٢٠١٩.
- أنور بوخرص، "Mauritania’s Precarious Stability and Islamist Undercurrent"،مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، ١١ فبراير/ شباط، ٢٠١٦.
- نيكول بول، "Lessons from Burundi’s Security Sector Reform Process"، الإيجاز الأمني حول أفريقيا، رقم ٢٩، المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، ٢٠١٤.
- سيدريك جورد، "Shifting Through the Layers of Insecurity in the Sahel: The Case of Mauritania"، الإيجاز الأمني حول أفريقيا، رقم ١٥، المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، ٢٠١١.
More on: Countering Violent Extremism Sahel